للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعده بالدعاء مع نصحه ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"إن شئتَ دعوتُ، وإن شئت صبرتَ فهو خيرٌ لك".

وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه -أي عينيه- فصبر عوضته منهما الجنة". "رواه البخاري"

٣ - إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: (اُدعه) فهذا يقتضي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعا له، لأنه - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ مَن وفى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء، وأصرَّ عليه، فإذن لابُدَّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا له فثبت المراد.

٤ - وقد وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعمى إلى النوع الثاني من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يدعو لنفسه.

٥ - أن في الدعاء الذي علمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: (اللهم فشفِّعْه فيَّ) وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته، أوجاهه، إذ المعنى: اللهم اقبل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فيَّ، أي اقبل دعاءه في أن ترد بصري عليَّ. والشفاعة لغة الدعاء، وهو المراد بالشفاَعة الثابتة له - صلى الله عليه وسلم - ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا يبين أن الشفاعة أخص منِ الدعاء، إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرًا، فيكون أحدهما شفيعًا للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره.

فثبت بهذا الوجه أن توسل الأعمى، إنما كان بدعائه - صلى الله عليه وسلم - لا بذاته.

٦ - إن مما علَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعمى أن يقوله: (وشفِّعني فيه) (١) أي اقبل شفاعتي، أي دعائي في أن تقبل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - أي دعاءه في أن تَرُدَّ عليَّ بصري. هذا لا يمكن أن يُفهم سواه.

ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها، ولا يتعرضون لها من قريب ولا من بعيد، لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، ذلك أن شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأعمى مفهومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول - صلى الله عليه وسلم - كيف تكون؟


(١) هذه الجملة صحت في الحديث، أخرجها أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وهي وحدها حجة قاطعة على أن حمل الحديث على التوسل بالذات باطل، كما ذهب إليه بعض المؤلفين حديثًا، والظاهر أنهم علموا ذلك، ولهذا لم يوردوا هذه الجملة مطلقًا، الأمر الذي يدل على مبلغ أمانتهم في النقل، وقريب من هذا أنهم أوردوا الجملة. التي قبلها: (اللهم فشفعه في) من الأدلة على التوسل بالذات، وأما توضيح دلالتها فمما لم يتفضلوا به على القراء، ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>