وأمَّا الوجهُ الثاني: إذا وقع التخصيص بالبُلدان مثل أن يُخصص بلدًا بعينها إمَّا بالحظْر وإمَّا بالإباحة، فلا يخلو ذلك مِن وجهين:
أحدهما: أن يكون يمينهُ على بِر.
والثانى: أن يكون على حنث.
فإن كانت يمينُهُ على بر مثل أن يقول "كُلُّ امرأةٍ أتزوجها إلا مِن بلدِ كذا طالق" أو قال: "كُلُّ امرأةٍ أتزوجها مِن بلد كذا طالق" هل يلزمُهُ الوفاءَ بذلك أو لا يلزمُهُ [وأن كُلَّ امرأة يتزوجهَا من تلك البلد أو من غيرها على اختلاف أم لا](١)؟
فالمذهب على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّهُ يلزمُهُ الوفاءُ بهِ، وأنَّ كُلُّ امرأة تزوَّجها مِن تلك البلد أو من غيرها على اختلاف ألفاظ يمينهِ هى طالق.
وهذا هو مشهور المذهب في النقل، وهو نصُّ "المُدوَّنة".
والثانى: أنَّهُ يلزمُهُ الوفاءُ بذلك، فلا يجوزُ لهُ النكاح ابتداءً، فإن نزل فإنَّهُ يمضي ولا يرد ويفوتُ بالدُخُول، وهو قول ابن القاسم في "العُتبيَّة".
والقول الثالث: أنَّهُ يلزمُهُ الوفاء بذلك، ويجوز لهُ أن يتزوّج مِن تلك البلدة التي حَظَرها على نفسِهِ، وهو قول مالك في "مُختصر ما ليس في المُختصر".
وسبب الخلاف: مُعارضة القياس بخبرِ الواحد، وذلك أنَّ في حديث عمرو بن شُعيب عن جده قال:"لا طلاق إلا من بعد النكاح" وفي رواية: "لا طلاق فيما لا يَملك"، وعارضهُ القياس المصلحى وهو مِن