والقول الرابع: بالعكس؛ إن كان تصرف فيها المودع لنفسه: فلا يجوز للمودع أخذ العوض، وإن كان تصرف فيها لربها: جاز لربها أخذ ما أخذ فيها من العوض، وهو تأويل ابن أبي زمنين على "المدونة".
والخامس: التفصيل بين العين والطعام، وهو نص "المدونة" والفرق بينهما -على هذا القول- أن دنانير الوديعة حين اشترى بها المودع: فإن البيع لم يقع على أعيانها، وإنما وقع على ذمة المشترى؛ ودليل ذلك: لو استحققت تلك الدراهم فإن البيع لا ينتقض؛ لكون الذمة معمورة بالبدل؛ فلذلك لا يحصل لصاحب الدنانير أخذ الشيء المشتري.
وأما الطعام: فإن البيع وقع على عينه؛ لأنه هو المقصود، فلو استحق: لفسخ البيع؛ ولهذا جاز لصاحبه أخذ ما اشتري بطعامه.
وهذا الفرق لا بأس به، وإنما يصح هذا إذا لم يعلم المشتري بالتعدي، وحمل الأمر على أن الشيء للبائع، وأما لو علم بالتعدي ودخل على ما يوجبه الحكم من إجازة المودع أو رده: لكان عقدهما فاسدًا اتفاقًا.
وسبب الخلاف في المسألة: اختلافهم في الخيار الحكمي هل هو كالخيار الشرطي أم لا؟
فمن جعله كالخيار الشرطي: منع لصاحب الوديعة أخذ الشيء المشترى؛ لأن الصرف وتبايع طعامي الربا بعضها ببعض لا يقبل الخيار.
ومن جعل الخيار الحكمي مخالفًا للخيار الشرطي: جوز له أخذه.
وهذا الأصل متداع في غير ما موضع في المدونة؛ منها: قضاء الكفيل دنانير عن دراهم، وقد اختلف فيه قول مالك، ومنه ما قال في "كتاب السلم الثاني" في الذي دفعت إليه دنانير مثلها إليك في طعام فصرفها بدراهم لغير نظر، ثم اشتري بها طعامًا: أن لرب الدنانير أن يأخذه، وفي