للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث آخر: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الذهب بالذهب والورق بالورق إلا هاء وهاء، فمن زاد أو استزاد فقد أربى" (١) وهذا الحديث اجتمع عليه البخاري ومسلم والموطأ.

وقد يمكن الجمع بين هذه الأحاديث ويزول التعارض، ولاسيما على ما روى ابن عباس فقد رجع إلى ما عليه الجماعة من ثبوت ربا التفاضل؛ فيحتمل أن يكون معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ربا إلا في النسيئة" (٢) يعني في العروض، وما في معناها مما هو خارج عن الستة المنصوصة وغيرها مما يقاس عليها.

ويحتمل أن يريد بذلك الأجناس المختلفة من هذه الستة كالذهب والفضة؛ إذ لا ربا فيهما إلا مع النسيئة؛ لقوله عليه السلام: "إذا اختلفت الأجناس فبيعوها يدًا بيد"، فيحتمل مراد ابن عباس على هذا، ويحتمل أن يكون يريد بقوله: "إنما الربا في النسيئة": إثبات حقيقة الربا، وحقيقته: أن يكون في الشيء نفسه، وهو ربا الجاهلية المذكور في القرآن وفي قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (٣).

على هذه الأوجه الثلاثة من التأويل يحمل مراد ابن عباس فيحصل الجمع بين الأحاديث، واستعمال جميعها، ويتقرر المراد على الأحاديث المتضمنة الأشياء الستة بالتخصيص والتنصيص، فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء، والملح بالملح ربا


(١) أخرجه مالك (١٣٠٨) والبخاري (٢٠٢٧) ومسلم (١٥٨٦).
(٢) تقدم.
(٣) سورة البقرة الآية (٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>