للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب ومجاز لفظه، وأنها قصدته بذلك وغلظت عليها لأنها إمام يقتدي بها، مع علمها - رضي الله عنها - أن زيدًا لم يقصد بذلك إلى استحلال الربا، وإنما هو شيء ذكرته عنه أم ولده مع احتمال أن يكون ممن لا يرى بالذرائع، ولا يرى ذلك البيع حرامًا، لما فيه من إساءة الظن -الذي هو حرام بالإجماع- ويمكن أيضًا أن يكون ممن يرى سد الذرائع، إلا أنه يرى أن الربا جائز بين العبد وسيده، وأم الولد يجوز لسيدها أن ينتزع ما لها ما لم يمرض مرضًا مخوفًا منه؛ لأنه لم يذكر في الحديث أن زيدًا قد أبت عتقها قبل، إلا أن عائشة ذمت ذلك الفعل من زيد مخافة أن يفتح على الناس باب الفساد فيتبعوه فيه، ويدخل فيه المتهم وغير المتهم.

وأما اختصاصها الجهاد بالذكر دون سائر أعماله؛ لما رأت أنه يوازي جميع أعماله، وأنه أنفس ذخائره عند الله تعالى؛ إذ كان زيد غزى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع عشرة غزوة -وهي عدد غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان أعظم أعماله وأفضل درجاته، وأوفر حسناته عنده، فخرج ذلك مخرج التهديد بالوعيد؛ لأن الأعمال [لا] (١) تحبط بالذنوب، بل إن ما عمل من خير يراه، وما عمل من شر يراه، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (٢).

وقال سبحانه: {لَهَا مَا كسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (٣)، فإذا ثبت ذلك، فمعنى قولها ببطلان الجهاد: أن يكتسب من السيئات ما يربو على ما كتب له من الحسنات في أجر جهاده؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها


(١) سقط من أ.
(٢) سورة الزلزلة الآية (٨).
(٣) سورة البقرة الآية (٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>