فمن قال: إنها لا تبرأ: منع المقاصة قبل حلولهما جميعًا؛ لأن العين والطعام من الأموال الربوية -نقدًا ونساء- وقد قدمنا أنه لا يصح فيه تنجيز بالإبرام قبل انصرام المدى؛ لأنه في الذهب والفضة صرف مستأخر، وفي طعام القرض طعام بطعام متفاضلًا إلى أجل، فلا شك ولا خفاء أن تنزيل حلول ما في الذمة منزلة حلول ما به مشغولة في تنجيز القبض بالإبراء غير متقايس، وإنما المنع فيه أثر ابن عمر - رضي الله عنه - على مشهور مذهبنا -نحن المالكية- القائلون بجواز صرف ما في الذمة.
فمن رأي أن الذمم تبرأ: قال بجوازها؛ كما قال في العرضين المختلفين مع جواز اختلاف الذمم عند حلول آخر الأجلين.
ولا فرق في ذلك بين العين والعرض إذا لم يقل بالإبراء، فإن التخاطر في ذلك واحد.
فإن اتفقا في الجنسية -ذهبًا كلها أو فضة كلها- فإن حلَّت الآجال جازت المقاصة، قولًا واحدًا.
فإن لم يحلَّا: فالمذهب في جواز المقاصة على ثلاثة أقوال:
أحدها: جوازها من غير اعتبار بالآجال ولا بحلولها، وهو قول ابن القاسم.
والثاني: أن المقاصة جائزة إن حلَّا، أو حلَّ أحدهما, ولا تجوز إن لم يحلَّا -اتفق الأجلان أو اختلفا- وهو قول ابن نافع.
والثالث: التفصيل بين أن تتفق الآجال فتمنع المقاصة، أو [لا](١) تتفق فتجوز، وهو ظاهر قول مالك -رضي الله عنه.