للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسقوط حقه من المسجد الذي هو شركه لسائر المسلمين، ومنعه من إتيانه مع عموم الأمر بعمارة المساجد، والوعيد الشديد من العزيز الحميد لمن سعى في خراب المساجد، وتصدى بصد القاصدين إلى هذه المشاهد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفسرًا لمجمل القرآن، ومخصصًا لعموم الفرقان على حسب ما أمر في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (١) فحكمه حكم المتبع. فمهما قال أو فعل أو أقر ما فُعل أو قيل بين يديه، وجب امتثال ذلك علينا والعمل بمقتضاه، فإذا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع حق امرئ مسلم بسبب فعل مباح، وأكل بقلة لا حرج عليه في أكلها, ولا إثم في الإلمام بها لكونها حلالًا طيبًا، والله تعالى يقول: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} (٢) غير أن ذلك الأكل والفعل يتضمن إذاية المؤمنين في المساجد، فبأن يحكم على من عدى على أهل محلته باللسان وأساء إليهم في المعاشرة والجوار مع عموم الأزمان ببيع ريعه وعقاره، أو إكرائه ويغربه عن وطنه، وينفي عن مسقط رأسه أولى وأحق؛ كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفاطمة بنت قيس حين أسقط لها السكنى من بيت زوجها، وأمرها أن تعتد عند ابن أم مكتوم، على ما قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه من أنها كانت امرأة سيئة تؤذي أحماءها بلسانها، فأسقط الحق الواجب بالكتاب المبين لأجل ما ظهر منها من البذاء المهين، وإذاية المؤمنين، فحرمه بالإجماع وهو أظهر من أن نطنب فيها بإيراد الأدلة.

والجواب عن الوجه الثاني من الحيوان: وهو ما كان منها محمود الأخلاق، وقليل الانفلات والانطلاق: فهذا الوجه هو الذي ورد فيه الحكم


(١) سورة النحل الآية (٤٤).
(٢) سورة المؤمنون الآية (٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>