للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبول معذرتهم التي اعتذروا بها حيث يقول إخبارًا عنهم: {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} أي: فتتركوا الذين يستضعفونكم {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} الآية.

ثم إن الله تعالى عذر أهل الصدق فقال: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ}، إلى قوله: {لَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (١) أي: لا يهتدون سبيلا يتوجهون إليه لو خرجوا لهلكوا {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} (٢) في إقامتهم بين أظهر المشركين، فكانت الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة على من أسلم بها واجبة فريدة إذ فرض الله عليهم فيها البقاء مع رسوله حيث استقر والتحول معه حيث تحول لنصرته ومؤازرته وصحبته ويحفظوا عنه ما يشرع لأمته ويبلغوا ذلك عنه للأمة، ولم يرخص لأحد منهم في الرجوع إلى وطنه وترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "لا يقيمن مهاجر بمكة بعقد قضاء نسكه فوق ثلاث" (٣) خص الله تعالى من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهاجر إليه ليتم له بالهجرة إليه والمقام معه وترك العودة إلى الوطن الغاية من الفضل الذي سبق لهم في سابق علمه، وهم الذين سماهم الله تعالى بالمهاجرين ومدحهم بذلك فلا ينطلق هذا الاسم على أحد سواهم، فلما فتح الله مكة قال - صلى الله عليه وسلم -: "مضت الهجرة لأهلها" (٤) أي فازوا بها وحصلوا عليها وانفردوا بفضلها دون من بعدهم.

وقال أيضا: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فإذا استنفرتم


(١) سورة النساء الآية (٩٨).
(٢) سورة النساء الآية (٩٩).
(٣) أخرجه البخاري (٣٧١٨)، ومسلم (١٣٥٢).
(٤) أخرجه البخاري (٢٨٠٢)، ومسلم (١٨٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>