للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانفروا" (١)، أي لا يبتدئ أحد من أهل مكة ولا غيرهم هجرة بعد الفتح فينال بذلك درجة من هاجر قبل الفتح ويستحق أن يسمى باسمهم ويلحق بجملتهم لأن فرض الهجرة ساقط بل إن الهجرة باقية لازمة إلى يوم القيامة بإجماع المسلمين على كل مسلم يقيم عند المشركين إلا أن هذه الهجرة لا يحرم على المهاجر منها الرجوع إلى وطنه إن عاد دار إسلام واستسلام فإذا وجب بالكتاب والسنة وإجماع الأمة على من أسلم ببلد الحرب أن يهاجر ويلحق بدار الإِسلام ولا ينثوي بين المشركين ويقيم بين أظهرهم لئلا تجري عليه أحكامهم فكيف يباح لأحد الدخول إلى بلادهم حيث تجري عليه أحكامهم في تجارة أو غيرها فلذلك شدد مالك الكراهة، وقد سئل عن ذلك فقال: قد جعل الله لكل نفس أجلا تبلغه ورزقا تنفده وهو يجري عليه أحكامهم فلا أرى ذلك.

وكره مالك أن يسكن أحد ببلد يسب فيه السلف فكيف ببلد (يفكر في بالرحمن) (*) ويعبد فيه من دونه الأوثان لا تستقر نفس أحد على هذا وهو مسلم سوى مريض الإيمان.

وقد صرح سحنون - رضي الله عنه - بأن الدخول إلى أرض العدو للتجارة اختيارا أنه جرحه، وهو تفسير لما وقع في "المدونة" في "كتاب الولاء" وقد بيناه هناك بيانا كافيا.

فواجب على والي المسلمين أن يمنع الدخول إلى أرض الشرك للتجارة ويضع المراصد ويسد المسالك حتى لا يجد أحد السبيل إلى ذلك ولاسيما إن خشى أن يحمل إليهم ما لا يحل بيعه منهم مما هو قوة الإِسلام لاستعانتهم به في حروبهم فمن أخذه الإمام ممن حمل إليهم تجارة فواجب أن يؤدبه


(١) أخرجه البخاري (٢٦٣١)، ومسلم (١٣٥٣).
(*) قال معد الكتاب للشاملة: كذا في المطبوعة، ولعلها: "فكيف ببلد يُكَفرُ فيه بالرحمن ... "، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>