وأما الوجه الثاني: إذا اشترط البائع ألا يخلفها إذا ضاعت وأن يحاسبه بقدر ما عمل فلا يخلو من أن يكون البائع ممن يتعذر عليه الخلف أو لا يتعذر عليه.
فإن كان ممن يتعذر عليه الخلف جاز ذلك، وإن كان ممن لا يتعذر عليه فلا تخلو الإجارة من أن تكون يسيرة أو كثيرة.
فإن كانت كثيرة مثل نصف عين السلعة فأكثر، فإن ذلك لا يجوز؛ لأن ذلك بيع بثمن مجهول؛ إذ لا يدري هل يبقى له الثمن إلى انقضاء أمد الإجارة أو يتلف قبل ذلك فيؤل الأمر إلى أنه باع سلعته بثمن مجهول.
فإن كانت الإجارة يسيرة فالمذهب يتخرج في جوازه على قولين: أحدهما: الجواز، والآخر: المنع.
وينبني الخلاف على الخلاف في الغرر اليسير هل يؤثر في عقول المعاوضات أم لا؟
وأما الوجه الثالث: إذا أهمل الأمر، ولم يتعرض لاشتراط الخلف، ولا إسقاطه هل يجوز العقد والحكم يوجب الخلف أم لا؟
فالمذهب على قولين:
أحدهما: أن ذلك لا يجوز إلا باشتراط الخلف، وهو قول ابن القاسم في "المدونة" في أول "كتاب الجعل والإجارة".
والثاني: أنه يجوز، وإن لم يشترط الخلف والحكم يوجبه، وهو قول سحنون، وأصبغ، وابن حبيب، وهو قائم من "المدونة" من غير ما موضع أن الإجارة لا بموضع المناولة إلا في أربع مسائل، وقد ذكرناها فيما