إنما يجب له بعد حصاده، ونصوص المذهب أن الأجير لا يستحق الإجارة إلا بعد استيفاء العمل، فكيف يقال في هذه المسألة أن الضمان منهما جميعًا، ويجعل الأجير يملك الأجر بنفس العقد؟
ولا حجة لمن احتج بكون الأجير معينًا، والمعين يدخل في الملك بنفس العقد، وإلا كان من باب المعين يتأخر قبضه بدليل تعيين السلعة في البيع؛ إذ للبائع أن يحجبها حتى يقبض الثمن، ولاسيما على القول بأن المشتري هو المخاطب بتسليم الثمن أولًا، فما دام المشتري لم يدفع الثمن، فالسلعة في ضمان البائع والإجارة بيع؛ إذ لا فرق بين بيع المنافع وبيع الأعيان.
فإذا جعلنا الأجير هاهنا كالمشتري ورب الزرع كالبائع والأجير مخاطب بتسليم المنافع أولًا، فإذا مسكها صح له الزرع، ودخل في ملكه، وقبل أن يشرع في الحصاد يعني الزرع في ضمان ربه، وذلك لا يخفى على من اعتاد اختراع أبكار المعاني، وراض فكره في اقتباسها بالمعاني، وأما من طبع بطبائع البليد، وقيد بسلاسل التقليد، فإنه عنده أخفى من الخفاء وأبعد من السماء.
وعلى القول بأنه في ضمانه بنفس العقد، فما الذي يجب لرب الزرع على الأجير؟ فإن المذهب فيه على قولين:
أحدهما: أن يستحصد الأجير في مثل ذلك الزرع، وهو قول ابن القاسم في "العتبية".
والثاني: أن عليه نصف قيمة الزرع، وليس عليه [باقي](١) نصفه، وهو قول سحنون في الكتاب المذكور.
قال يحيى بن عمر: لأن الزرع يختلف، وقاله ابن القاسم أيضًا.