اتفاق الصنعة، واتحاد البقعة، وعدم التفاضل إلا الشيء المغتفر.
وقولنا: اتفاق الصنعة، مثل أن يكونا خياطين، أو صائغين، أو حدادين؛ احترازًا من أن يكون أحدهما خياطًا والآخر حدادًا، فإن ذلك لا يجوز باتفاق المذهب؛ لما في ذلك من الغرر والخطر؛ إذ قد تتفق صنعة أحدهما وتكسد صنعة الآخر، وذلك من باب أكل المال بالباطل.
وقولنا: اتحاد البقعة؛ احترازًا من أن يكونا في موضعين، هذا في موضع، وهذا في موضع.
فإذا اتحدت الصنعة وتفرقا في المواضع، فهل تجوز الشركة بينهما أو لا تجوز؟
فالمذهب على قولين:
أحدهما: أنها لا تجوز؛ لأن ذلك غرر وأكل المال بالباطل؛ إذ قد يعمل أحدهما، ويتعطل الآخر.
والثاني: أن ذلك جائز، وهو قول أصبغ عن ابن القاسم في "العتبية"؛ حيث قال: فإن اتفقت الصنعة، والحانوتان متفرقان: فلا بأس به.
وقد اختلف المتأخرون في تأويل ما وقع في العتبية هل هو وفاق للمدونة أم لا؟ فمنهم من حمل الكلام على ظاهره، وقال: إن ذلك خلاف.
ومنهم من قال: إن ذلك تباعد المواضع؛ حيث يصير هذا في بلد، وهذا في بلد فلا يجوز، وإن تقاربت المواضع، وتدانت الحوانيت حتى تكون أيديهما تلج في الحانوتين جميعًا، ويتعاونان في العمل: فذلك جائز؛ إذ ليس المقصود بالجلوس في موضع واحد إلا لتقارب