للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلافًا مشهورًا: فلا خلاف فيما يأتي بعده أنه لا يجوز أن ينقضه، ولا التعرض لأقضيته.

وهل يجوز له هو أن ينقض قضاء نفسه أم لا؟

فالمذهب على ثلاثة أقوال، كلها متأولة على "المدونة":

أحدها: أنه ينقض قضاءه، ويرجع إلى ما رأى من الصواب ما دام في ولايته من غير اعتبار بحاله حين الحكم من أن يكون ذلك منه وهمًا أو غلطًا أو نسيانًا، أو انتقالًا من اجتهاد إلى اجتهاد، وهو قول مطرف، وعبد الملك، وعليه أكثر أصحاب مالك، وهو المشهور، وهو ظاهر "المدونة" على رواية فتح الياء في "كتاب الأقضية" من "المدونة"، على رواية ضم الياء في "يُرجع"، ووقع له في "كتاب الرجم" ما هو أبين من هذا في قوله: "وإنما لا يرجع فيما حكم به غيره"، وعلى هذا اللفظ اختصرها أبو محمد بن أبي زيد، وحمديس وغيرهما.

والثاني: أنه لا يرجع في شيء من حكمه مما اختلف فيه إلا في الجور البين الذي ينقضه من جاء بعده، وهو قول محمد بن عبد الحكم، وهو ظاهر المدونة على رواية فتح الياء في "يرجع".

والثالث: التفصيل بين ما حكم به وهمًا وغلطًا، وبين ما انتقل فيه اجتهاده؛ فأما ما حكم به وهمًا، وغلطًا، ونسيانًا: فإنه يرجع فيه وينقضه، وما حكم فيه بانتقال من اجتهاد إلى اجتهاد: فإنه لا ينقضه وهو لا ينقضه، وهو مذهب سحنون، وحكى عن عبد الملك مثله، وهو أظهر وأقرب للصواب؛ إذ لو سوغ ما تأولوه أولًا باجتهاد وغلبة ظن.

وأما الوجه الثاني: إذا قضى بما اختلف فيه المذهب: فلا يخلو من أن يكون من أهل النظر والاجتهاد، أو يكون من أهل التقليد.

<<  <  ج: ص:  >  >>