على التفصيل والتحصيل الذي قدمناه في "كتاب الأقضية" بما يغني عن إعادته مرة أخرى.
وأما الضرب الثاني: إذا ما شهد على ما تقيد في كتاب: فلا يخلو من أن يكون غير مختوم أو مختوم.
فإن كان غير مختوم: فإنه يلزمه أن يقرأ ما قيدت به الشهادة في آخر العقد إذا كان يقرأ، أو يقرأ عليه إن كان أميًا أو أعمى؛ ليعلم من ذلك موافقة تفيد البينة الشهادة بما شهد به.
فإن كان الكتاب مختومًا، فهل تجوز عليه الشهادة أم لا؟
على قولين منصوصين عن مالك -رحمه الله:
أحدهما: أن الشهادة جائزة، وإن كان الكتاب مختومًا أو مطبوعًا.
والثاني: أنهم لا يشهدون إلا أن يقرأه وقت تحمل الشهادة.
وهذان القولان حكاهما القاضي أبو محمد عبد الوهاب عن مالك فيمن دفع إلى شهود كتابًا مطويًا، وقال اشهدوا على ما فيه، أو الحاكم إذا كتب كتابًا إلى حاكم وختمه، وأشهد عليه الشهود بأنه كتابه، ولم يقرأه عليهم: فوجه القول بالجواز أنه أشهدهم على إقراره في كتاب قد عرفوه، فصح تحملهم للشهادة أصله إذا قرأه عليهم، واستدل القاضي رضي الله عنه لذلك بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفع كتابًا إلى عبد الله بن جحش، وأمره أن يسير ليلتين ثم يقرأ الكتاب، فيتبع ما فيه.
ووجه القول بالمنع: قوله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}(١)، وإذا لم يقرؤوا الكتاب لم يعلموا ما يشهدون به، فلم تجز شهادتهم، وقال القاضي أبو الوليد الباجي: والصحيح عندي جواز الشهادة في ذلك، وأنه