والثاني: أن ذلك جائز؛ لأن الحكم بالتفليس يرفع التهمة.
فإن كان دينه قرضًا: جاز -كان عرضًا أو طعامًا- ولا علة في ذلك، لا على وجه، ولا على حال.
والجواب عن الوجه الثاني من أصل التقسيم: إذا غاب المال والمديان جميعًا: فلا تخلو غيبته من أن تكون قريبة، أو بعيدة.
فإن كانت قريبة كالأيام اليسيرة: لم يفلس، ولكنه يكتب فيه ليكشف ملاه من عدمه.
فإن كانت بعيدة: فلا يخلو من أن يعرف ملاه من عدمه، أو جهل حاله، ولا يدري أين هو.
فإن عرف ملاه من غيبته، هل يفلس وتحل ما عليه من الديون المؤجلة أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنه لا يفلس، والديون التي عليه تبقى إلى أجلها، وهو قول ابن القاسم في "العتبية"، و"الموازية".
والثاني: أنه يفلس كما لو كان حاضرًا والمال غائبًا، وهو قول أشهب في "العتبية" وغيرها؛ لأنه إذا خيف ثواء ماله، وهلاكه وجب تفليسه فكذلك يفلس أيضًا إذا كان هو وماله غائبين، وقال أصبغ: ويكتب تفليسه حيث هو، فيستقم ذلك عليه في الموضع الذي هو فيه.
وعلى القول بأنه يفلس، وتحل ما عليه من الديون المؤجلة، فلو قدم بماله، وقد بقى للذين تحاصوا بقية، وللذين لم تحل ديونهم بقية، وقد كان له مال حاضر، فيتحاصوا فيه إلا أنه ليس فيه وفاء، فأراد الذين لم تحل ديونهم أن يأخذوا بقية ديونهم حالة، وآجالها لم تحل بعد، هل لهم أخذ ذلك على الحلول، أو تبقى إلى آجالها؟