للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهاد.

فإن لم يكن لهم مادة، وسطوة، وقوة، وإنما هم نفر نصبوا على الطريق، وأخافوا السبيل، فإذا قدر عليهم الإِمام قبل التوبة، فإنه يستعمل فيهم ما أنزل الله في آيات المحاربين: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (١) الآية، فهذه العقوبات التي أمر الله تعالى الإِمام بإقامتها على المحاربين غير أن العلماء اختلفوا فيها، هل هي على الترتيب أو على التخيير؟

فمذهب الشافعي، وأبو حنيفة أنها على الترتيب مُرَتَّبة على الجنايات المعلوم من الشرع ترتيبها؛ فلا يقتل من المحاربين إلا من قتل، ولا يقطع إلا من أخذ المال، ولا ينفى إلا من لم يأخذ المال؛ فهكذا عرفت هذه العقوبات في الشرع أن من قتل يقتل، ومن سرق يقطع.

وذهب آخرون إلى أن الإِمام مخير فيهم على الإطلاق، وسواء قتل أو لم يقتل أخذ المال أم لم يأخذه، وهو مذهب أبي مصعب الزهري من أصحاب مالك.

وذهب مالك -رحمه الله- إلى أن الآية على التخيير، وهو راجع إلى اجتهاد الإِمام، فقال: إن قتل فلابد من قتله، وليس للإمام في ذلك تخيير لا في قطعه، ولا في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه [على ما يأتى بيانه، وأما إن أخذ المال، ولم يقتل فلا يخير في نفيه. وإنما التخيير في قتله، أو صلبه، أو قطعه من خلاف. وأما إذا خاف السبيل وقطعه.

فالإمام عنده مخير في قتله أو صلبه] (٢) أو نفيه. ومعنى التخيير عنده أن


(١) سورة المائدة الآية (٣٣).
(٢) سقط من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>