للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يظهر من الآية أن النفي هو تعريتهم عن وطنهم؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} (١) الآية؛ فسوى بين النفي والقتل، وهي عقوبة معروفة بالعادة من العقوبات كالضرب، والقتل، وكل ما يقال فيها سوى ما ظهر من الآية، فليس معروفًا بالعادة، ولا بالعرف.

فالجواب عن الوجه الثاني: إذا حاربوا على التأويل؛ مثل أن يحاربهم الإِمام، فإنه إذا قدر على أحد منهم لم يقتله إلا إذا كانت الحرب قائمة على ساقها؛ فإن مالكًا قال: للإمام أن يقتله إن رأى ذلك لما يخاف من عونه لأصحابه على المسلمين.

وأما إذا أُسر بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فإن حكمه حكم البدْعي الذي لا يَدْعو إلى بدعته؛ فإنه يُسْتَتَاب، فإن تاب خلي سبيله، فإن أَبَى هل يقتل أو يؤدب؟ قولان:

أحدهما: أنه يقتل إن أبى من التوبة، وهو قول مطرف، وابن عبد الحكم.

والثاني: أنه يؤدب ولا يقتل، وهو قول ابن الماجشون، وسحنون.

وسبب الخلاف: أهل البدع، هل يكفرون بمآل قولهم أم لا؟

ومعنى الكفر بالمآل أنهم لا يصرحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر، وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم.

وأما ما لا يلزم هؤلاء من الأحكام عند التوبة إذا ظفر بهم أو إذا تابوا، فإنهم لا يقام عليهم حد الحرابة، ولا يؤخذ منهم ما أخذوا من المال إلا أن يوجد بأيديهم شيء، فيرد إلى ربه، وإنما اختلفوا هل يقتل قصاصًا بمن


(١) سورة النساء الآية (٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>