للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: خُيِّر سليمان بين العلم، والمال، والملك، فاختار العلم؛ فأعطى المال، والملك، والحكمة.

وسُئل ابن المبارك [ق/ ٢ ب] عن خبر الناس؛ قال: العلماء، فقيل له: ومن الملوك؟ فقال: الزهاد، فقيل له: ومن السّفَلَة؟ فقال: الذي يأكل بدينه، ولم يجعل غير العالم من الناس؛ لأن الخاصية التي تميز الناس عن سائر البهائم هو العلم، والإنسان إنسان لما هو شريف لأجله، وليس ذلك لقوة شخصه، فإن الجمل أقوى منه، [ولا] (١) لعظمته، فإن الليل أعظم منه، ولا بشجاعته، فإن الأسد أشجع؛ بل لم يخلق إلا للعلم.

وقال بعض الحكماء: ليت شعري! أي شيء أدْرَكَ من فاته العلم، وأي شيء فات من أَدْرَكَ العلم.

وقال فتح الموصلي رضي الله عنه: أليس المريض إذا مُنع الطعام، والشراب ثلاثة أيام يموت؟ قالوا: نعم، قال: [و] (٢) كذلك القلب؛ إذا مُنع العلم، والحكمة ثلاثة أيام يموت.

ولقد صدق؛ فإن غذاء القلوب العلم والحكمة، وبه حياته كما أن غذاء الجسم الطعام والشراب، ومن فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم لا يشعر به؛ لانهماكه في الدنيا وبحبه إياها؛ بل بطل إحساسه كما أن غلبة الخوف قد يبطل إحساس ألم [الجراح] (٣) في الحال، وإن كان واقعًا، فإذا حَطَّ الموت عنه إعياء الدنيا أحس بهلاكه، وتحسر تحسرًا لا ينفعه كما أن الخائف والمغشى عليه إذا استفاق من غشيته أو من خوفه [أحس] (٤) بألم ما وقع


(١) في أ: لا.
(٢) سقط من أ.
(٣) في أ: الجرح.
(٤) في أ: فحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>