الرابعُ: أنَّ أنسًا كان مقيمًا بالبصرةِ، ومعاويةُ لما قدم المدينةَ لم يذكُرْ أحدٌ علِمْناه أنَّ أنسًا كانَ معَه، بل الظاهرُ أنَّه لم يكُنْ معَه.
الخامسُ: أنَّ هذه القصةَ بتقديرِ وقوعِها كانت بالمدينةِ، والراوي لها أنسٌ، وكان بالبصرةِ، وهي مما تتوفرُ الدَّواعي والهِمَمُ على نَقْلِها، ومِنَ المعلومِ أنَّ أصحابَ أنسٍ المعروفينَ بصحبتِه وأهلَه لم ينقُلْ أحدٌ منهم ذلك، بل المتواترُ عن أنسٍ وأهلِ المدينةِ نقيضُ ذلك، والقائلُ ليس من هؤلاءِ ولا من هؤلاءِ.
السادسُ: أنَّ معاويةَ لو كان رجَع إلى الجهرِ بالبسملةِ في أولِ الفاتحةِ والسورةِ لكان أيضًا معروفًا من أمرِه عندَ أهلِ الشامِ الذين صحِبوه، ولم يَنقُلْ هذا أحدٌ من أهلِ الشامِ عن معاويةَ، بل الشامِيُّونَ كلُّهم - خلفاؤُهم وعلماؤُهم - كان مذهَبُهم تَرْكَ الجهرِ، بل الأوزاعيُّ مذهَبُه فيها مذهبُ مالكٍ، لا يقرأُ سرًّا ولا جهرًا.
فمن تدبَّرَ ذلك؛ قطَع بأنَّ حديثَ معاويةَ إما لا حقيقةَ له، وإمَّا مُغيَّرٌ عن وجهِه، والذي حدَّثَ به بلَغَه من وجهٍ ليس بصحيحٍ، فحصَلتِ الآفةُ منِ انقطاعِ إسنادِه.
وقيلَ: لو كان إسنادُه تقومُ به الحجةُ فهو شاذٌّ؛ لأنَّه خلافُ ما رواه الناسُ الأثباتُ عن أنسٍ وعن أهلِ المدينةِ وأهلِ الشامِ، ومن شرطِ الحديثِ ألا يكونَ شاذًّا ولا مُعلَّلًا، وهذا شاذٌّ مُعلَّلٌ، إن لم يكُنْ من سوءِ حفظِ بعضِ رُواتِه.
والعُمدةُ في تلك التي اعتمدَها المصنِّفونَ في الجهرِ ووجوبِ