يجوزُ للحنفيِّ الحاكمِ أن يَسْتنيبَ شافعيًّا يحكمُ باجتهادِه، وإن خالفَ اجتهادُه اجتهادَ مُسْتنيبِه، ولو شرَط عليه أن يحكمَ بقولِ مُسْتَنيبِه؛ لم يجُزْ هذا الشرطُ.
وأيضًا؛ إذا رأى المُسْتَنيبُ قولَ بعضِ الأئمَّةِ أرجحَ من بعضٍ؛ لم يجُزْ له أن يحكمَ بالمرجوحِ؛ بل له أن يحكمَ بالراجحِ، فكيفَ لا يكونُ له أن يستنيبَ مَن يحكمُ بالراجحِ وإن خالَفَ قولَ إمامِه؟! وليس على الخلقِ - لا القضاةِ ولا غيرِهم- أن يطيعوا أحدًا في كلِّ ما يأمرُ به، إلا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ومَن سواه مِن الأئمَّةِ فإنه يُؤخَذُ من قولِه ويُترَكُ، فيجوزُ لكلٍّ من الأئمةِ أن يَسْتَنيبَ مَن يخالفُه في مذهبِه؛ ليحكمَ بما أنزلَ اللهُ.
ومَن باشَرَ القضاءَ معَ عدمِ الأهليةِ المسوغةِ للولايةِ، وأصَرَّ على ذلك، عامِلًا بالجهلِ والظلمِ؛ فهو فاسقٌ، ولا يجوزُ أن يُولَّى خطابةً، ولا تُنفَّذَ أحكامُه وعقودُه كما تُنفذُ أحكامُ العالمِ العادلِ؛ بل من العُلَماءِ من يردُّها كلَّها، وهو قولُ أكثرِ أصحابِ الشافعيِّ وأحمدَ.
ومن العُلَماءِ من يُنفِّذُ ما وافقَ الحقَّ؛ لمسيسِ الحاجةِ، ولما يلحَقُ الناسَ من الضررِ، والحقُّ يجبُ اتباعُه؛ سواءٌ قام به البَرُّ أو الفاجرُ،