الأنبياءُ قد شَكَوْا إليه؛ كيعقوبَ وأيوبَ وذي النُّونِ ونوحٍ.
فهؤلاء الأنبياءُ قد اشتكَوا، وكشَف ما بهم من الضرِّ والغمِّ، لكن ينبغي الرِّضا، وليس هو واجبًا في أصحِّ قولي العلماءِ؛ بل مستحبٌّ، وإنما الواجبُ الصبرُ، وهو لا ينافي الشَّكْوى، واختلاجُ السرِّ لا ينافي الرِّضا بالقضاءِ باتفاق العقلاءِ، والرضا يكونُ بعد القضاءِ.
فَصْلٌ (١)
أصلُ الإيمانِ في القلبِ؛ وهو قولُ القلبِ وعملُه، وهو إقرارُ القلبِ بالتصديقِ والحبِّ والانقيادِ، ولا بدَّ أن يَظهَرَ موجَبُه ومقتضاه على الجوارحِ، فالأعمالُ الظاهرةُ مِن موجَبِ إيمانِ القلبِ، ودليلٌ عليه، وشاهدٌ له، وشُعبةٌ من مجموعِ الإيمانِ المطلقِ، وبعضٌ له، وما في القلبِ أصلٌ لها، وهو الملِكُ، والأعضاءُ جنودُه.
وقد ظن طوائفُ أن الإيمانَ هو ما في القلبِ خاصةً، وما على الجوارحِ لا يدخلُ في مسماه، لكن هو من ثمراتِه ونتائجِه؛ حتى آل بِغُلاتِهم - كجَهْمٍ وأتباعِه - إلى أن قالوا:(يمكنُ أن يصدِّقَ بقلبِه، ولا يُظْهِرَ بلسانِه إلا الكفرَ، ويكونَ ما في القلبِ إيمانًا نافعًا له، وإذا حكَم الشرعُ بكفرِ أحدٍ بعملٍ أو قولٍ؛ فلكونِه دليلًا على انتفاءِ ما في القلبِ)؛ فتَناقَضَ قولُهم؛ فإنه إذا كان دليلًا مستلزِمًا انتفاءَ الإيمانِ من القلبِ؛
(١) ينظر أصل الفتوى في هذا الفصل والذي بعده في مجموع الفتاوى ٧/ ٦٤١.