للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

في قولِه في الحديثِ الصحيحِ الذي قال في آخرِه: «قد غفرتُ لعبدِي؛ فليَعمل ما شاء» (١)؛ هذا الحديثُ لم يجعَلْه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عامًّا في كلِّ من أذنب وتاب، وإنما ذكَرَه حكايةَ حالٍ عن عبدٍ كان منه ذلك، فأفادَ أن العبدَ قد يعمَلُ من الحسناتِ العظيمةِ ما يُوجِبُ غُفْرانَ ما تأخَّرَ من ذنوبِه، وإن غُفِر بأسبابٍ.

وهذا مثلُ حديثِ حاطِبِ بنِ أبي بَلْتعةَ الذي قال فيه: «وما يُدريكَ أن اللهَ اطَّلعَ على أهلِ بدرٍ، فقال: اعمَلوا ما شِئتُم، فقد غفرتُ لكم» (٢)، وكما جاء غلامُ حاطِبٍ يشكوه، فقال: واللهِ يا رسولَ اللهِ، ليدخُلَنَّ حاطبٌ النارَ! فقال: «كذبْتَ، إنه قد شهِدَ بدرًا والحُدَيْبِيَةَ» (٣). وقال: «لا يدخل النارَ أحدٌ بايع تحت الشجرة» (٤).

ففي هذه الأحاديثِ بيانُ أن مِن المؤمنين مَن يعملُ من الحسناتِ ما يُغفَرُ له بها ما تأخَّرَ من ذنوبه، وإن غُفِر بأسبابِها، ويدُلُّ على أنه يموتُ مؤمنًا، ويكونُ من أهلِ الجنةِ، وإذا وقَع منه ذنبٌ فقد يتوبُ؛ كما تاب على بعضِ البَدْريِّينَ؛ كقُدامةَ بنِ عبدِ اللهِ؛ لما شرِبَ الخمرَ متأوِّلًا،


(١) رواه مسلم (٢٧٥٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٤٩٤)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٣) رواه مسلم (٢٤٩٥)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(٤) رواه مسلم (٢٤٩٦) بنحوه، من حديث أم مبشر رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>