للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستتابَه عمرُ والصحابة، وجلدوه، وتطهَّرَ بالحدِّ والتوبةِ، وإن كان ممن قيلَ له: «اعمَلوا ما شئتُم» (١).

ومغفرةُ اللهِ لعبدِه لا تنافي أن تكونَ المغفرةُ بأسبابِها، ولا تمنعُ أن تصدر منه توبةٌ؛ إذ مغفرةُ اللهِ لعبدِه مقتضاها: أنه لا يُعذِّبُه بعدَ الموتِ، وهو سُبْحانَه يعلمُ الأشياءَ على ما هي عليه، فإذا علِمَ من العبدِ أنه سيتوبُ، أو يعملُ حسناتٍ ماحيةً؛ غفَرَ له في نفسِ الأمرِ؛ إذ لا فرقَ بينَ أن يحكمَ بالمغفرةِ، أو بدخولِه الجنةِ.

ومعلومٌ أنَّ من بَشَّره بالجنةِ فإنما هو لعِلْمِه بما يموتُ عليه، ولا يُمنَعُ أن يعملَ سببَها.

وعلمُ اللهِ بالأشياءِ وإخبارُه بها لا ينافي ما علَّقَها عليه من الأسبابِ؛ كما أخبَرَ: «أن ما منكم من أحدٍ إلا وقد كُتِب مقعدُه من الجنةِ أو النارِ»، ومعَ ذلك فقال: «اعمَلوا، فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِقَ له» (٢)، وكمَن أُخبِرَ أنه ينتصرُ على عدُوِّه؛ لا يَمنَعُ أن يعملَ أسبابَه، أو أنه يكونُ له ولدٌ؛ لا يُمنَعُ أن يتزوجَ أو يتَسرَّى، وكذا من أُخبِرَ بالمغفرةِ والجنةِ؛ لا يَمنَعُ أن يريد الآخرةَ، ويسعى لها سَعْيَها.

ومن ذلك الدعاءُ المذكورُ في آخِرِ البقرةِ، فقد ثبَتَ أنه تعالى قال: «قد فعلتُ» (٣)، ومعَ ذلك فمِن المشروعِ لنا أن ندعوَه.


(١) تقدم تخريجه ص …
(٢) رواه البخاري (٤٩٤٥)، من حديث علي رضي الله عنه.
(٣) رواه مسلم (١٢٦)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>