وفي الصحيحِ أن عمرَ قال:«اللهُمَّ، إنا كنَّا إذا أجدَبْنا نتوسَّلُ إليك بنبِيِّكَ فتَسْقينا، وإنا نتوسَّلُ إليك بعَمِّ نبِيِّنا فاسقِنا»(١).
وأما زيارةُ القبورِ المشروعةُ: فهو أن يُسلِّمَ على الميتِ، ويدعوَ له فقط؛ كالصَّلاةِ على جَنازتِه.
فليس في الزيارةِ الشرعية حاجةٌ للحيِّ إلى الميتِ، ولا توسُّلُه له ولا به؛ بل فيها منفعةُ الحيِّ للميتِ؛ كالصَّلاةِ عليه، واللهُ يرحمُ هذا، ويُثيبُه على عمَلِه، ويرحمُ هذا بدعاء هذا؛ كما عَلَّم الصحابةَ الزيارةَ، وكما كان هو يزورُ صلى الله عليه وسلم.
والمقصودُ: أن مَن يأتي إلى قبرٍ، أو رجلٍ صالحٍ، ويَسْتنجِدُه، فهذا على ثلاثِ درجاتٍ:
أحدها: أن يسألَ حاجتَه؛ مثلَ أن يقولَ: اغفِرْ لي، ونحوِه؛ فهذا شِرْكٌ كما تقدَّمَ.
الثاني: أن يطلبَ منه أن يدعوَ له؛ لأنه أقربُ إلى الإجابةِ، فهذا مشروعٌ في الحيِّ، وأما في الميتُ فلم يُشرَعْ لنا أن نقولَ له: ادْعُ لنا، ولا: سلْ لنا ربَّكَ، لم يفعلْ ذلك أحدٌ من الصحابةِ والتابعِينَ، ولا أمَر به أحدٌ من الأئمَّةِ، ولا ورَد فيه حديثٌ؛ بل ثبت في الصحيحِ: أن عمرَ استَسْقى بالعباسِ، ولم يأتِ قبرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ بل كانوا إذا جاؤوا قبرَه
(١) رواه البخاري (١٠١٠)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.