للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان يريدُ وقوعَ الجزاءِ عندَ الشرطِ؛ لم يكُنْ حالِفًا؛ كقولِه: إن أعطيتِني ألفًا فأنتِ طالقٌ، وإذا زنيتِ فأنتِ طالقٌ، وقصَد إيقاعَ الطلاقِ عندَ الفاحشةِ، لا مجرَّدَ الحلِفِ عليها؛ فهذا ليس بيمينٍ، ولا كفارةَ في هذا عندَ أحدٍ من الفقهاءِ فيما علِمْناه؛ بل يقعُ به الطلاقُ.

وأما ما يُقصَدُ به الحضُّ أو المنعُ، أو التصديقُ أو التكذيبُ بالتزامِه عندَ المخالفةِ ما يكرهُ وقوعَه؛ سواءٌ كان بصيغةِ القسمِ أو الجزاءِ: يمينٌ عندَ جميعِ الخلقِ من العربِ وغيرِهم، وإذا كان يمينًا فليس لليمينِ إلا حكمانِ: إما أن تكونَ منعقدةً فتُكفَّرُ، وإما ألا تكونَ منعقدةً كالحلِفِ بالمخلوقاتِ؛ فلا تُكفَّرُ، أما يمينٌ منعقدةٌ محترمةٌ غيرُ مُكفَّرةٍ؛ فهذا حكمٌ ليس في كتابِ اللهِ ولا سنةِ رسولِه، ولا يقومُ عليه دليلٌ (١).

ومَن قال: إن مَن اتَّبعَ هذه الفُتْيا، وقلَّد؛ فوَلَدُه بعدَ ذلك وَلَدُ زِنًى؛ فإنه في غايةِ الجهلِ والضلالِ أو المُشاقَّةِ للهِ ورسولِه، فإن المسلمِينَ متفقونَ على أن كلَّ نكاحٍ اعتقدَ الزوجُ أنه سائغٌ إذا وطِئَ فيه؛ يلحَقُه فيه ولدُه، ويتوارثانِ باتِّفاقِ المسلمِينَ، وإن كان ذلك النكاحُ باطلًا في نفسِ الأمرِ، فاليهوديُّ إذا تزوجَ بنتَ أخيه؛ كان ولَدُه منها يلحَقُه ويرِثُه باتِّفاقٍ، وإن كان هذا النكاحُ باطلًا باتِّفاقٍ، وكذلك لو تزوَّجَ المسلمُ امرأةً في عِدَّتِها، ووطِئَها وهو جاهلٌ يعتَقدُها زوجتَه؛ كان ولَدُه منها يلحَقُه نسَبُه باتِّفاقِ المسلمِينَ، ومثلُ هذا كثيرٌ، فإن ثبوتَ النسبِ لا


(١) ينظر أصل الفتوى من قوله: (والألفاظُ التي يتكلَّمُ … ) في مجموع الفتاوى ٣٣/ ١٤٠، والفتاوى الكبرى ٣/ ٣١١، وهي تابعة للفتوى السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>