للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَن حلَف على رجلٍ: لا بدَّ أن يُعطِيَ فلانًا كذا، يعتقدُ أن ذلك الشيءَ عندَه موجودٌ؛ بحيثُ لو علِم أنه قد عدِم لما حلَف، ثم تبيَّنَ أن ذلك قد عدِم: فلا حِنْثَ عليه؛ لأنه حلَف على مستحيلٍ؛ نحوُ: لأطيرَنَّ، أو لأشرَبَنَّ ماءَ الكوزِ، ولا ماءَ فيه؛ وهذا لا يحنَثُ به عندَ جماهيرِ العلماءِ.

وله مأخذٌ آخَرُ: وهو أنه حلَف يعتقدُ شيئًا فتبيَّنَ بخلافِه.

ومَن اتَّهمَتْه زوجتُه بوَطْءِ جاريتِه، فعرَّضَ، وحلَف أنه ما وطِئَها؛ فله ذلك؛ كما جرى لابنِ رَواحةَ وأنشَدَ شعرًا:

شهدتُّ بأنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ … وأنَّ النارَ مَثْوى الكافرينَ

وأنَّ العرشَ فَوْقَ الماءِ طافٍ … وفوقَ العرشِ ربُّ العالمينَ

وذكر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فضحِكَ، وقال: «إنَّ امرأتَكَ لفقيهةٌ» (١)، فهذا قد أظهَرَ لها أنه يقرأُ القرآنَ، ومثلُ هذا لو فعَلَه الرجلُ لغيرِ عذرٍ؛ كان حرامًا بالاتفاقِ.

وإذا قال لزوجتِه: إن أبرأتِيني من نفقةِ الأولادِ، أو أخذتِ الأولادَ بالكفالةِ، ونحوَ ذلك من العباراتِ، فأنتِ طالقٌ، فالتزمَتْ بما قال من الإنفاقِ، فإنه يقعُ به الطلاقُ، فإن امتنَعَتْ أُلزِمَتْ بذلك، كما تلزمُ بغيرِه من الحقوقِ.


(١) رواه الدارمي في الرد على الجهمية (ص ٥٦)، وابن عبد البر في الاستيعاب (٣/ ٩٠٠)، وابن عساكر في تاريخه (٢٨/ ١١٢)، قال الذهبي في كتاب العرش ٢/ ١٣٧: (روي من وجوه صحاح مرسلة عن عبد الله بن رواحة).

<<  <  ج: ص:  >  >>