للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عزمُه جازمًا، فيكونُ من بابِ الهمِّ الذي لا يُؤاخَذُ به، ولهذا مَن عزَم على معصيةٍ فعَل مقدماتِها، ولو أنه خطوةٌ برجلِه، أو نظرةٌ بعينِه، فإذا عجَز عن إتمامِ مقصودِه بها؛ يُعاقَبُ؛ لأنه فعل ما قدَر عليه.

فَصْلٌ

ولم يكُنْ من عادة الصحابةِ أن يقوموا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لما يكرهه، ولا بعضُهم لبعضٍ، بل رُوِي أنه كان يقومُ لمن قدِم من مَغيبِه، فالقيامُ لمثلِ القادمِ مِن السفَرٍ لا بأسَ به، فقد رخَّص في القيامِ للإمامِ العادلِ، والوالدِ، ونحوِ ذلك، ورُوِي أنه قام لعِكْرِمةَ بنِ أبي جهلٍ، وجعفرِ بنِ أبي طالبٍ، لَمَّا قدِما (١)، وقال للأنصارِ: «قوموا إلى سيِّدِكم»؛ يعني: سعدَ بنَ معاذٍ (٢)، ولهذا فرقوا بينَ القيامِ إليه لتلَقِّيه - كما قال كعب: «لم يقُمْ إليَّ أحدٌ من الأنصارِ إلا طلحةَ» (٣) - وبينَ القيامِ له، وهو أن يكونَ قاعدًا وهم قيامٌ، فهذا لا يجوزُ.

والذي ينبغي للناسِ أن يعتادوا السُّنَّةَ في تركِ القيامِ المتكررِ للقاءِ،


(١) أما قيامه لعكرمة رضي الله عنه: فرواه الحاكم في المستدرك (٥٠٥٥)، من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
وأما قيامه لجعفر رضي الله عنه: فرواه أبو يعلى في مسنده (١٨٧٦)، والآجري في الشريعة (١٧١٥)، والمخلص (١١٨٠)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٣٠٤٣)، ومسلم (١٧٦٨)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩)، في قصة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>