للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستقراءُ يدلُّ على أنه إذا خلَص الإيمانُ إلى القلبِ لم يرجِعْ عنه؛ ولكن قد يحصلُ له اضطرابٌ، ويُلقي الشيطانُ في قلبِه وساوسَ وخَطَراتٍ، ويُوجِدُ فيه هَمٌّ، وأمثالُ ذلك، كما شكا أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: «إن أحدَنا ليَجِدُ في نفْسِه ما لأَنْ يحترِقَ حتى يصيرَ حُمَمةً (١)، أو يخرَّ من السماءِ، أحبُّ إليه من أن يتكلمَ به»، فقال: «أوقَدْ وجدتُّموه؟» فقالوا: «نعم»، فقال: «ذلك صَريحُ الإيمانِ»، وقال: «الحمدُ للهِ الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسةِ»، والحديثُ في «مسلمٍ» (٢).

فكراهةُ هذه الوساوسِ هي صريحُ الإيمانِ، والتائبُ يجد في نفْسِه من الهمِّ والوساوسِ والميلِ معَ كراهتِه لذلك ونفور قلبِه ما لا يُخرِجُه ذلك عن كونِه توبةً نَصوحًا، قال الإمامُ أحمدُ: (الهَمُّ همانِ: همُّ خَطَراتٍ، وهمُّ إصرارٍ) (٣)، وكان همُّ يوسفَ همَّ خَطَراتٍ، فترَك ما همَّ به لله، فكتبَ اللهُ له حسنةً، ولم يكتبْ عليه سيئةً، وكان همُّ المرأة همَّ إصرارٍ، فكذَبَت، وراودَتْ، وظلمَتْ؛ لأجلِ مرادِها.

وقد تنازَعَ الناسُ في العزمِ: هل يُؤاخَذُ به بدونِ العملِ؟ على قولَينِ، والصوابُ: أن العزمَ الجازمَ متى اقترَنَ به القدرةُ؛ فلا بدَّ من وجودِ العملِ، فإذا كان العازمُ قادرًا، ولم يفعلْ ما عزَم عليه؛ فليس


(١) قال في لسان العرب ١٢/ ١٥٧: (والحمم: الفحم، واحدته: حُمَمة).
(٢) رواه مسلم (١٣٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) من مسائل الحسن بن علي الإسكافي عن أحمد. ينظر: طبقات الحنابلة ١/ ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>