للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديثُ فيه: «ما قنَتَ بعدَ الركوعِ إلا شهرًا» (١)؛ فتبيَّنَ أنه لم يقنُتْ بعدَ الركوعِ إلا شهرًا، فبطَلَ ذلك التأويلُ (٢).

والقنوتُ قبلَ الركوعِ: قد يُرادُ به طولُ القيامِ قبلَ الركوعِ؛ سواءٌ كان فيه دعاءٌ أوْ لا، فلا يكونُ اللفظُ دالًّا على قنوتِ الدعاءِ.

وقد ذهبَتْ طائفةٌ: إلى أن القنوتَ مشروعٌ في جميعِ الصلواتِ، وهو شاذٌّ؛ والصحيحُ: أنه قنَتَ لسبب من النازلةِ، ثم ترَكَ، كما دلَّ عليه الحديثُ، وعليه الخلفاءُ الراشدونَ، فإن عمرَ لما جاءتِ النصارى قنَتَ عليهم: «اللهُمَّ عذِّبْ كفَرةَ أهلِ الكتابِ … » إلى آخِرِه (٣)، فجعَله بعضُ الناسِ سنةً راتبةً في قنوتِ رمضانَ، وليس كذلك؛ بل قنَت بما يناسِبُ حالَ المسلمينَ، كما كانَ رسولُ اللهِ يقنتُ في كلِّ نازلةٍ بما يناسبها، ولو قنَت دائمًا لنقَلَه المسلمونَ عن نبِيِّهم، فإنه منَ الأمورِ التي تتوَفَّرُ الدواعي على نَقْلِه.

فَصْلٌ

إذا تحقَّقَ ما في القلبِ؛ أثَّرَ في الظاهرِ ضرورةً، لا يُمكِنُ انفكاكُ أحَدِهما عن الآخَرِ، فالإرادةُ الجازمةُ معَ القدرةِ التامةِ توجِبُ وقوعَ


(١) رواه البخاري (١٠٠٢)، ومسلم (٦٧٧)، من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ: «إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا».
(٢) أي: تأويل حديث: (ثم ترك) بأن المعنى ترك الدعاء على تلك القبائل لا أصله.
(٣) رواه عبد الرزاق (٤٩٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>