للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

القَدَريَّةُ من المعتزلةِ وغيرِهم الذينَ لا يُقِرُّونَ بأن اللهَ خالقُ كلِّ شيءٍ، ولا بأنه ما شاءَ كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ، فإذا أُطلِق عليهم أنهم خارجونَ عن التوحيدِ، بمعنى أنهم كذَّبوا بالقدرِ؛ فهذا فيه نزاعٌ، حتى في مذهَبِ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، ومسألةُ التكفيرِ بإنكارِ بعضِ الصفاتِ أو إثباته؛ قد كثُر فيها الاضطرابُ.

وتحقيقُ الأمرِ فيها: أن الشخصَ المُعيَّنَ الذي ثبَتَ إيمانُه؛ لا يُحكَمُ بكفرِه إن لم تُقَمْ عليه حجةٌ يَكفُرُ بمخالفتِها، وإن كان القولُ الذي قاله كفرًا في نفسِ الأمرِ؛ بحيثُ يَكفُرُ بجحودِه مَن عَلِم أن الرسولَ قاله.

فقد أنكَرَ طائفةٌ من السَّلَفِ بعضَ حروف القرآنِ؛ لعدمِ علمِهم أنها منه، فلم يُكفَّروا، وعلى هذا حمَل المحققونَ حديثَ الذي قال لأهلِه: «إذا أنا مِتُّ فأَحرِقوني» (١)، فإنه كان جاهلًا بقدرةِ اللهِ إذا فَعَل ذلك، وليس كلُّ مَن جهِل بعضَ ما أخبَرَ به الرسولُ يَكفُرُ، ولهذا قال السَّلَفُ: (مَن قال: القرآنُ مخلوقٌ فهو كافرٌ)، (ومن قال: إن اللهَ لا يُرَى في الآخرةِ فهو كافرٌ)، ولا يُكفِّرونَ المُعيَّنَ الذي يقولُ ذلك؛ لأن ثبوتَ حكمِ التكفيرِ في حقِّه متوقفٌ على شروطٍ وانتفاءِ موانعَ، فلا يُحكَمُ بكفرِ شخصٍ بعينِه إلا أن يُعلَمَ أنه منافقٌ؛ بأنْ قامت عليه الحجةُ النبويةُ


(١) رواه البخاري (٣٤٧٨)، ومسلم (٢٧٥٧)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>