للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امتنع أن يكونَ الإيمانُ في القلبِ مع الدليلِ المستلزمِ نفيَه، وإن لم يكُنْ دليلًا؛ لم يَجُزْ أن يستدلَّ به على الكفرِ الباطنِ.

فالتحقيقُ: أن اسمَ الإيمانِ المطلقَ يتناولُ الأصلَ مع الفروعِ، وقد يُخصُّ الاسمُ (١) وحدَه بالاسمِ مع الاقترانِ، وقد لا يتناولُ إلا الأصلَ إذا لم يخصَّ إلا هو، كاسمِ الشجرةِ يتناولُ الأصلَ والفرعَ إذا وُجِدَ، ولو قُطِعت الفروعُ لتناول اسمُ الشجرةِ الأصلَ وحدَه.

وكذا اسمُ الحجِّ يتناولُ كلَّ ما شُرِع من ركنٍ وواجبٍ ومستحبٍّ، وهو أيضًا تامٌّ بدونِ المستحباتِ، وحجٌّ ناقصٌ بدونِ الواجباتِ.

والشارعُ لا ينفي اسمَ الإيمانِ عن العبدِ لتركِ مستحَبٍّ، لكن لتركٍ واجبٍ.

ولفظُ الكمالِ: يُرادُ به الكمالُ الواجبُ والكمالُ المستحبُّ، فلمَّا قال: «لا يزني الزاني حينَ يزني وهو مؤمنٌ» (٢)، و «لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له» (٣)، ونحوَ ذلك؛ كان لانتفاءِ بعضِ ما يجب فيه، لا لانتفاء الكمالِ المستحبِّ.

والإيمانُ يتبعَّضُ ويتفاضلُ الناسُ فيه؛ كالحجِّ والصلاةِ، ولهذا قال: «يخرجُ من النارِ مَن في قلبِه مثقالُ ذرةٍ من إيمانٍ، ومثقالُ شعيرةٍ» (٤).


(١) هكذا في أصل الفتوى في مجموع الفتاوى، وفي هامش الأصل: (لعله: الأصل)
(٢) رواه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه أحمد (١٢٣٨٣)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٧٥١٠)، ومسلم (١٩٣)، من حديث أنس رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>