للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الأمورُ يتبيَّنُ بها أجناسُ ظلمِ العبدِ نفْسَه؛ لكن كلَّ إنسانٍ بحسَبِه وبحسَبِ درجتِه، فما من صباحٍ يصبحُ إلا وللهِ على عبدِه حقوقٌ لنفْسِه ولخلقِه عليه أن يفعلَها، وحدودٌ عليه أن يحفظَها، ومحارمُ عليه أن يجتنبَها.

فإن أجناسَ الأعمالِ ثلاثةٌ:

مأمورٌ به، فالواجبُ منه: هو الفرائضُ.

ومَنْهيٌّ عنه، وهو المَحارمُ.

ومباحٌ له حدٌّ، فتَعَدِّيه تَعَدٍّ لحدودِ اللهِ؛ بل قد يكونُ الزائدُ على بعضِ الواجباتِ أو المستحباتِ؛ تَعَدِّيًا لحدودِ اللهِ، وذلك هو الإسرافُ، كما قال: {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا}.

إذا عُرِف ذلك؛ فقولُ القائلِ: ما مفهومُ قولِ الصدِّيقِ: «ظلمتُ نفْسِي ظلمًا كثيرًا»، والدعاءُ بينَ يدي اللهِ لا يَحتمِلُ المجازَ، والصديقُ من أئمةِ السابقين، والرسولُ أمَرَه بذلك، كأنه ثار له شبهةٌ أنْ قال: الصدِّيقُ أجلُّ قدرًا من أن يكونَ له ذنوبٌ تكونُ ظلمًا كثيرًا، فإن ذلك يُنافي مرتبته الصدِّيقيَّةَ.

وهذه الشبهةُ تزولُ بوجهينِ:

أحدُهما: أن الصدِّيقَ - بل والنبيُّ - إنما كمُلَتْ مَرْتبتُه، وانتهَتْ درجَتُه، وتَمَّ عُلُوُّ منزلتِه؛ في نهايتِه لا في بدايتِه، وإنما نال ذلك بفعلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>