للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى أبو داودَ عن النُّعْمانِ بنِ بشيرٍ أنه قال لقومٍ طلَبوا منه أن يضربَ رجلًا على تُهَمةٍ، قال: «إن شئتُم ضربتُه لكم، فإن ظهَرَ مالُكم عندَه، وإلا ضربتُكم مثلَ ما ضربتُه»، فقالوا: هذا حكمُكَ؟ فقال: «هذا حكمُ اللهِ ورسولِه» (١)، وهذا في ضرْبِ مَن لم يُعرَفْ بالشرِّ، أما ضرْبُ من يُعرَفُ بالشرِّ؛ فذاك مقامٌ آخَرُ، فيستحقُّ المضروبُ أن يَضربَ من طلبَ ضربَه من المُتَّهِمِينَ له؛ إذا لم يُعرَفْ بالشرِّ قبلَ ذلك (٢).

في ذلك دليلٌ: على أنه يجوزُ ضربُ من لم يُعرَفْ بالشرِّ، وقد تقدَّم في كلامِه: أنه لا يُضرَبُ؛ بل يُحبَسُ؛ إما شهرًا، وإما بحسَبِ ما يراه وليُّ الأمرِ؛ حتى يتبيَّنَ أمرُه، فحمْلُه حديثَ النعمانِ على مَن لم يُعرَفْ بشرٍّ؛ مشكِلٌ (٣).

ومَن كذَب على رجلٍ حتى ضُرِب وعُلِّق، وطافوا به، وحُبِس؛ فيجبُ عقوبةُ الكاذِبِ عقوبةً تردَعُه وأمثالَه؛ بل جمهورُ السَّلَفِ يُوجِبونَ القِصاصَ في مثلِ ذلك.

فمن ضرَب غيرَه أو جرَحَه بغيرِ حقٍّ؛ فإنه يُفعَلُ به كما فعَل؛ كما قال عمرُ: «أيها الناسُ، إني لم أبعَثْ عُمَّالي إليكم ليضْرِبوا أبشارَكم، ولا ليأخُذوا أموالَكم، ولكن ليُعلِّموكم كتابَ اللهِ وسنةَ نبِيِّكم، ويَقسِموا


(١) رواه أبو داود (٤٣٨٢)، والنسائي (٤٨٧٤).
(٢) ينظر أصل الفتوى من قوله: (روى أبو داودَ … ) في مجموع الفتاوى ٣٤/ ٢٣١، الفتاوى الكبرى ٣/ ٤٤٠.
(٣) قوله: (في ذلك دليلٌ … ) إلى هنا من كلام البعلي رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>