للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما السلَفُ فلم يكونوا يفعلونَ شيئًا من ذلك، وهم أحقُّ بالاتباعِ.

وحديثُ أبيٍّ الذي فيه: أجعَلُ صلاتي كلَّها عليك؟ قال: «إذًا يكفيَكَ اللهُ همَّكَ، ويغفرَ ذنبَكَ» (١)، المرادُ: أنه يجعلُ له ربعَ دعائِه أو نصفَه أو ثلثَه … إلى أن قال: كلَّها؛ أي: كلَّ دعائي؛ فإن الصلاةَ في اللغةِ الدعاءُ، ولهذا قال له: «إذًا يكفيَكَ اللهُ همَّكَ، ويغفِرَ ذنبَكَ»؛ فإنه إذا صلَّى عليه مرةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا، و «من دعا لأخيه وكَّلَ اللهُ به ملكًا يقولُ: ولك بمثلِه» (٢)، فإذا صلَّى عليه بدَلَ دعائه؛ كفاه اللهُ، وحصل مقصودُك من كفايةِ همِّك وغُفرانِ ذنبِك، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان في عونِ أخيه، فكيف بمن يدعو للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بدلَ نفسِه؟! إنه لَحقيقٌ أن يحصلَ له أكثرُ مما يطلبُه لنفسِه.

وقد يُتوهَّمُ مِن قولِه: «من صلَّى عليَّ مرةً صلَّى اللهُ عليه عشرًا» (٣)، أنه يحصُلُ للمصلي عليه أكثرُ مما يحصُلُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك؛ بل له مثلُ أجرِ المصلِّي الذي حصل له، فإنه هو الذي علَّمَه وسَنَّ له ذلك؛ فله مِثْلُ أجرِه.

وليس للأبِ إلا ما يدعو به الولدُ له، فظهر قولُه: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}؛ فهو الأبُ الرُّوحانيُّ، والوالدُ أبٌ جثمانيٌّ، هو سببُ السعادةِ الأبديةِ في الآخرةِ، والأبُ سببٌ لوجودِه في الدنيا.


(١) رواه أحمد (٢١٢٤٢)، والترمذي (٢٤٥٧).
(٢) رواه مسلم (٢٧٣٢)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
(٣) رواه مسلم (٣٨٤)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>