للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

والزهدُ هو ضدُّ الرغبةِ، وهو كالبُغضِ المخالفِ للمحبةِ، والكراهةِ المخالفةِ للإرادةِ.

وحقيقةُ المشروعِ منه: أن يكونَ بغضُه وحبُّه وزهدُه فيه أو عنه تابعًا لحبِّ الله وكراهتِه، فيحبُّ ما أحبه اللهُ، ويُبغِضُ ما أبغضَه، ويرضى ما يرضاه، ويسخطُ ما يسخطُه؛ بحيث لا يكونُ تابعًا لهواه بل لأمرِ مولاه؛ فإن كثيرًا من الزهَّاد في الدنيا أعرضوا عن فضولِها، ولم يُقْبِلوا على ما يحبُّه اللهُ ورسولُه، وليس هذا الزهدُ مما يأمر اللهُ به، ولهذا كان في المشركين زهَّادٌ، وفي أهلِ الكتابِ زهَّادٌ، وفي أهلِ البدعِ زهادٌ.

ومن الناسِ من يزهدُ طلبًا للراحةِ من تعبِ الدنيا أو لمسألةِ أهلهاِ، والسلامةِ من أذاهم، أو لطلبِ الرئاسةِ، إلى أمثالِ هذه الأنواعِ التي لا يأمُرُ اللهُ بها ولا رسولُه.

وإنما يأمر اللهُ ورسولُه أن يزهدَ فيما لا يحبُّه اللهُ، ويرغبَ فيما يحبُّه اللهُ ورسولُه، فيكونُ زهدُه عما لا يأمرُ اللهُ به أمرَ إيجابٍ أو استحبابٍ؛ سواءٌ كان محرَّمًا أو مكروهًا أو مباحًا، ويكونُ مع ذلك مقبِلًا على ما أمر اللهُ به، ولا يتركُ المكروهَ بدون فعلِ المحبوبِ، وإنما المقصودُ بالقصدِ الأولِ فعْلُ المحبوبِ، وتركُ المكروهِ مُعِينٌ على ذلك، فتَزْكو النفسُ بذلك كما يزكو الزرعُ إذا نُقِّي عنه الدَّغَلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>