للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قولُه في حديثِ أبي بكرٍ: «اللهُمَّ إني ظلمْتُ نفْسِي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفِرُ الذنوبَ إلا أنتَ، فاغفِرْ لي مغفرةً من عندِك وارحمني، إنكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ» (١)؛ قال الحكيمُ التِّرْمِذيُّ: (هذا عبدٌ اعترفَ بالظلمِ، ثم التجأَ إليه مضطرًّا إليه، لا يجدُ لذنبِه ساترًا غيرَه، ثم سأله مغفرةً من عندِه، والأشياءُ كلُّها من عندِه، ولكن أرادَ شيئًا مخصوصًا ليس مما بَذَله للعامةِ، فللهِ تعالى رحمةٌ قد عمَّتِ الخلقَ؛ بَرَّهم وفاجِرَهم، سعيدَهُم وشَقِيَّهُم، ثم له رحمةٌ خصَّ بها المؤمنينَ، وهي رحمةُ الإيمانِ، ثم له رحمةٌ خصَّ بها المتقينَ، وهي رحمةُ الطاعةِ للهِ تعالى، وللهِ رحمةٌ خصَّ بها الأولياءَ، نالوا بها الولايةَ، وله رحمةٌ خصَّ بها الأنبياءَ، نالوا بها النبوةَ، وقال الراسِخونَ: {وهب لنا من لدنك رحمة}، فسألوه رحمةً من عندِه).

فهذا صورةُ ما شرَحَه، ولم يذكُرْ صفةَ الظلمِ وأنواعَه، كما ذكر صفةَ الرحمةِ.

وليُعْلَمْ أن الدعاءَ الذي فيه اعترافُ العبدِ بظلمِ النَّفْسِ؛ ليس من خصائصِ الصِّدِّيقينَ ومَن دونَهم؛ بل هو من الأدعيةِ التي يدعو بها الأنبياءُ، وهم أفضلُ الخلقِ، قال اللهُ تعالى عن آدمَ وحواءَ: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا}، وقال موسى: {رب إني ظلمت نفسي}، والخليلُ: {رب اغفر لي ولوالدي}، {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي}، وقال هو وإسماعيلُ: {ربنا تقبل


(١) تقدم تخريجه ص … ظظ

<<  <  ج: ص:  >  >>