للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زوالِ ضُرِّه، فإن ما يحصلُ لأهلِ التوحيدِ لا يمكنُ وصفُه.

فإن الضُّرَّ في الدنيا من المرضِ والعُسْرِ والألمِ وغيرِه؛ يشتركُ في زوالِه وذوقِ لذةِ حلاوتِه المؤمنُ والكافرُ؛ لأنه من أمورِ الدنيا؛ بخلافِ حلاوةِ الإيمانِ، فلا يمكنُ أن يعبَّرَ عنه بمقالٍ، ولكلِّ امرئٍ من المؤمنين نصيبٌ بقدْرِ إيمانِه؛ فمن تجرَّد توحيدُه؛ بحيث يحبُّ فيه، ويوالي ويُعادي فيه، ويتوكلُ عليه؛ فلا يسألُ إلا إيَّاه، ولا يرجو إلا إيَّاه؛ بحيث يكونُ عند الحقِّ بلا خلقٍ، وعندَ الخلقِ بلا هوًى، قد فنيَتْ عنه إرادةُ ما سواه بإرادتِه، ومحبةُ ما سواه بمحبتِه، وخوفُ ما سواه بخوفِه، ورجاءُ ما سواه برجائِه، ودعاءُ ما سواه بدعائِه، هو أمرٌ لا يعرفُه بالذوقِ والوَجْدِ إلا من له منه نصيبٌ، وما من مؤمنٍ إلا وله منه نصيبٌ.

وهذا هو حقيقةُ الإسلامِ، وقُطْبُ رَحى القرآنِ، به بعَث اللهُ الرسلَ، وبه أنزل الكتبَ، واللهُ المستعانُ، وعليه التُّكلانُ.

فَصْلٌ

أجمَعَ المسلمونَ على أن العبدَ المسلمَ يجوزُ له أن يشتكيَ إلى اللهِ ما يَنزِل به من الضرِّ، وليس ذلك منافيًا للصبرِ، بل الشَّكوى إلى الخَلْقِ قد تنافي الصبرَ.

ومن قال: (إن نبيًّا من الأنبياءِ أكَله القملُ فاشتكى إلى ربِّه، فأوحى إليه: لئن اختَلَج هذا في سِرِّك، لأمْحُوَنَّك من ديوانِ الأنبياءِ)؛ فهذا لا ينبغي أن يُحكى؛ لأنها إما كذِبٌ، أو مخالفةٌ لشريعةِ محمدٍ، بل كان

<<  <  ج: ص:  >  >>