للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل جوازُ التصرُّفِ والضمانِ متلازمانِ؟ فيه نزاعٌ.

فطريقةُ القاضي أبي يَعْلى وأصحابِه والمتأخِّرينَ من أصحابِ أحمدَ معَ أبي حنيفةَ والشافعيِّ: يقولون بتلازمِ التصرفِ والضمانِ؛ فما دخل في ضمانِ المشتري جاز تصرُّفُه فيه، وما لا فلا.

وطرَد الشافعيُّ ذلك في بيعِ الثمارِ على الشَّجرِ، فلم يقُلْ بوضْعِ الجوائحِ؛ بناءً على أن المشتريَ إذا قبَضَها وجاز تصرُّفُه فيها؛ صار ضمانُها عليه.

والقولُ الثاني في مذهَبِ أحمدَ الذي ذكَره الخِرَقيُّ وغيرُه من المتقدمينَ، وعليه تدلُّ أصولُ أحمدَ: أن الضمانَ والتصرفَ لا يتلازمانِ، ولهذا كان ظاهرُ مذهبِه بوضْعِ الجوائحِ في الثمارِ، وظاهرُ مذهبهِ جواز تصرُّفِه فيها بالبيعِ وغيرِه؛ فيجوزُ تصرُّفه فيها معَ كونِ ضمانِها على البائعِ، فهي كمنافعِ الإجارةِ مضمونةٌ على المؤجِّرِ قبلَ الاستيفاءِ، فلو ماتت الدابَّةُ وتعطَّلَت المنافعُ؛ كانت من ضمانِ المؤجِّرِ؛ معَ أنه يجوزُ للمستأجرِ التصرُّفُ فيها حتى بالبيعِ في ظاهرِ المذهبِ.

ولهذا كان ظاهرُ مذهبِه في بابِ ضمانِ العقدِ: الفرقَ بينَ ما تَمكَّنَ مِن قبضِه وما لم يتمكَّنْ، ليس هو الفرقَ بينَ المقبوضِ وغيرِه؛ كما قال الخِرَقيُّ وغيرُه في بيعِ الصُّبرةِ المتعينةِ جِزافًا: تدخلُ في ضمانِ المشتري بالعقدِ، ولا يجوِّزونَ للمشتري بيعَها حتى ينقُلَها، فجازَ التصرُّفُ في الثمرةِ معَ كونِ ضمانِها على البائعِ، ومَنَعَ في الصُّبرةِ معَ كونِ ضمانِها على المشتري، فثبَت عدمُ التلازُمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>