للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد رُوِي: «مَن حلَف بالأمانةِ فليس مِنَّا» (١)، فمن حلَف بالأمانةِ لا يدري ما حلَف به، أو عنَى به مخلوقًا؛ فقد أساء، وإن أرادَ بها صفةً من صفاتِ اللهِ؛ نحوُ: وأمانةِ اللهِ، أو عظمتِه؛ جاز ذلك.

وهل الحلِفُ بغيرِ اللهِ محرَّمٌ، أو مكروهٌ؟ على قولَينِ؛ الأولُ أصحُّ، وكان السَّلَفُ يعزِّرونَ من يحلِفُ بالطلاقِ، وكلُّ ما سوى اللهِ يدخُلُ في ذلك؛ مثل: الكعبةِ، والعرشِ، والكُرسِيِّ، والملائكةِ، والنبِيِّينَ، والملوكِ، أو نعمةِ السلطانِ، أو الشيخِ، أو تربةِ الشيخ، أو تربةِ أمه، ونحوِ ذلك؛ ولكن في الحَلِفِ برسولِ اللهِ خاصَّةً فيه خلافٌ (٢).

وكثرةُ الحلِفِ مكروهٌ، ولكن قد يُستحَبُّ إذا كان فيه مصلحةٌ شرعيةٌ، كما أمر نبِيَّه أن يحلفَ في ثلاثِ آيات؛ كقوله: {يسألونك أحقٌّ هو قل إي وربي إنه لحق}، {قل بلى وربي لتبعثن}، {قل بلى وربي لتأتينكم} (٣).


(١) رواه أحمد (٢٢٩٨٠)، وأبو داود (٣٢٥٣)، من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه.
(٢) قال في مجموع الفتاوى ١/ ٢٠٤: (وإنما نعرف النزاع في الحلف بالأنبياء، فعن أحمد في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم روايتان: إحداهما: لا ينعقد اليمين به؛ كقول الجمهور مالك وأبي حنيفة والشافعي. والثانية: ينعقد اليمين به، واختار ذلك طائفة من أصحابه كالقاضي وأتباعه، وابن المنذر وافق هؤلاء، وقصر أكثر هؤلاء النزاع في ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وعدى ابن عقيل هذا الحكم إلى سائر الأنبياء، وإيجاب الكفارة بالحلف بمخلوق وإن كان نبيًّا قول ضعيف في الغاية مخالف للأصول والنصوص).
(٣) ينظر أصل الفتوى من قوله: (وكثرة الحلف … ) إلى هنا في جامع المسائل، (المجموعة الأولى ص ٣٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>