للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

والتوبةُ النَّصوحُ؛ فقد قال عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه وغيرُه من السَّلَفِ: «هي أن يتوبَ ثم لا يعودَ» (١)، ومن تاب، ثم عاد؛ فعليه أن يتوبَ مرةً ثانيةً، ثم إن عاد فعليه أن يتوبَ، وكذلك كلما أذنَبَ، ولا ييأسُ من رَوْحِ اللهِ (٢).

وإن لم تكُنِ التوبةُ الأولى نَصوحًا؛ فإذا عاد إلى التوبةِ مرةً بعدَ مرةٍ؛ مَنَّ عليه في آخِرِ الأمرِ بتوبةٍ نَصوحٍ.

والتائبُ إذا كانت نيتُه خالصةً محضةً لم يشُبْها قصدٌ آخَرُ؛ فإنه لا يعودُ إلى الذنبِ، فإنه إنما يعودُ لبقايا غشٍّ كانت في نفْسِه، وقد قيلَ: إنه قد يعودُ مَن تاب توبةً نَصوحًا.

وقد يُقالُ: الأولُ أرجحُ، فإن الإيمانَ إذا خالطتْ بَشاشتُه القلوبَ؛ لم يسخَطْه أحد، والقلبُ إذا باشر حقيقةَ الإيمانِ لم يترُكْه، وهذا أصلٌ قد تنازَعَ فيه الناسُ، وهو أن مَن خُتِم له بسوءٍ: هل يُقالُ: إنه كان في أصلِ عملِه غِشٌّ عاد إليه، أو كان عملُه الأولُ خالصًا لا غشَّ فيه؟ على قولَينِ، والتوبةُ من هذا النوع.


(١) رواه عبد الرزاق في التفسير (٣٢٥٦)، وابن جرير في التفسير (٢٣/ ١٠٦)، وهناد في الزهد (٢/ ٤٥٣)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(٢) ينظر أصل الفتوى من قوله: (والتوبةُ النَّصوحُ … ) إلى هنا في مجموع الفتاوى ١١/ ٦٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>