للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بذلك، وقال: «هذا عندنا»: فهو كذبٌ باتفاقِ أهلِ العلمِ، وشَيْبانُ لم يجتمعْ بأحمدَ والشافعيِّ قطُّ، بل مات قبلَهما بزمانٍ، وإن كانت هذه الحكايةُ قد ذكَرَها صاحبُ "الرسالة" (١) ونحوه، وشَيْبانُ أجلُّ من أن يُنسَبَ إليه مثلُ هذا الكفرِ، ولو قال هذا أعظمُ من شَيْبانَ؛ استُتِيبَ، فقد اتفقَ الصحابةُ على استتابةِ قدامةَ بنِ مَظْعونٍ، وهو من أهلِ بدرٍ، من قولٍ قالَه دونَ هذا (٢)؛ لكنَّ شَيْبانَ بريءٌ من هذا، كما أنَّ الشافعيَّ


(١) ينظر: الرسالة القشيرية ٢/ ٥٧٢.
(٢) قصة قدامة بن مظعون في شربه للخمر وإقامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليه الحد رواها عبد الرزاق (١٧٠٧٦)، والبيهقي (١٧٥١٦)، وغيرهما، وليس فيها ذكر استتابته، وفي القصة أن قدامة رضي الله عنه كان عاملًا لعمر على البحرين.
وقد روى الخلال في أحكام أهل الملل والردة (١٤١٩)، عن عطاء بن السائب في قصة أناس من أهل الشام شربوا الخمر واستدلوا على شربها بمثل ما استدل به قدامة بن مظعون، وهو قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} فاستشار عمر رضي الله عنه الصحابة، فقال لعلي: ما ترى؟ فقال: أرى أنهم قد شرعوا في دين الله ما لم يأذن الله به، فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم، قد أحلوا ما حرم الله، وإن زعموا أنها حرام فاجلدوهم ثمانين ثمانين.
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (ص ٥٣٠): (ألا ترى أن قدامة بن مظعون وكان بدريًّا تأول في خلافة عمر ما تأول في استحلال الخمر من قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية حتى أجمع رأي عمر وأهل الشورى أن يستتاب هو أصحابه؛ فإن أقروا بالتحريم جلدوا وإن لم يقروا به كفروا، ثم إنه تاب وكاد ييأس لعظم ذنبه في نفسه حتى أرسل إليه عمر رضي الله عنه بأول سورة غافر).
قلت: الذي كاد أن ييأس وأرسل إليه عمر بأول سورة غافر: أبو جندل بن سهيل رضي الله عنهما كان ذلك في الشام مع جماعة من أصحابه؛ كما في مصنف عبد الرزاق (١٧٠٧٨)، والبيهقي في الكبرى (١٨٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>