للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد فعَلَ جائزًا، وقد يكونُ المرجوحُ أرجحَ للمصلحةِ الراجحةِ، كما قد يكونُ تَرْكُ الراجحِ أرجحَ، وهذا واقعٌ في عامةِ الأعمالِ؛ حتى في حالِ الشخصِ الواحدِ، قد يكونُ المفضولُ له أفضلَ بحسَبِ حالِه؛ لِكونِه عاجزًا عن الأفضلِ، أو لكونِ محبتِه أو رغبتِه واهتمامِه وانتفاعِه بالمفضولِ أكثرَ، فيكونُ أفضلَ في حقِّه؛ لما يقترنُ به من مزيدِ علمِه وحبِّه وانتفاعِه، كالمريضِ ينتفعُ بالدواءِ الذي يَشْتهيه ما لَا ينتفعُ بما لا يَشْتهيه، وإن كان جنسُ ذلك أفضلَ.

ومِن هذا البابِ صار الذِّكْرُ لبعضِ الناسِ في بعضِ الأوقاتِ أفضلَ من القراءةِ، والقراءةُ لبعضِهم في بعضِ الأوقاتِ خيرٌ من الصلاةِ، وأمثالُ ذلك؛ لكمالِ انتفاعِه به، لَا لِأن جنْسَه أفضلُ، وبابُ تفضيلِ بعضِ الأعمالِ على بعضٍ إن لم يعرفْ فيه التفضيلَ، وأنَّه يتنوعُ بتنوعِ الأحوالِ في كثيرٍ من الأعمالِ، وإلا وقَع فيه اضطرابٌ كثيرٌ، فإنَّ من الناسِ مَن إذا اعتَقدَ استحبابَ فعلٍ ورُجْحانَه يحافظُ عليه ما لَا يحافظُ على الواجباتِ، حتى يخرجَ به الأمرُ إلى الهوى والتعصُّبِ والحَمِيةِ الجاهليةِ، كما تجدُه فيمن يختارُ بعضَ هذه الأمورِ، فيراها شعارًا لمذهَبِه.

والواجبُ: أن يُعطَى كلُّ ذي حقٍّ حقَّه، ويُوسَّعَ ما وسَّعَه اللهُ ورسولُه، ويؤلَّفَ ما ألَّفَه اللهُ ورسولُه، ويُراعى ما يحبُّه اللهُ ورسولُه، ويُعلَمَ أن خيرَ الكلامِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهَدي هَدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنَّ اللهَ بعَثَه رحمةً للعالمينَ؛ لسعادةِ الدنيا والآخرةِ (١).


(١) ينظر أصل الفتوى من قوله: (وليس قبل الجمعة … ) إلى هنا في مجموع الفتاوى ٢٤/ ١٨٨، والفتاوى الكبرى ٢/ ٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>