للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصنافٌ متنوعةٌ كما ذكره، وليس في الحديثِ: «رحمةً من عندِك»، وإنما فيه: «فاغفِرْ لي مغفرةً من عندِك»، ولكنَّ مقصودَه: أن يشبِّهَ هذا بقولِه: {وهب لنا من لدنك رحمة}، وقد جعل هذه المغفرةَ من عندِه مغفرةً مخصوصةً، ليست مما يُبذَلُ للعامَّةِ، كما أن الرحمةَ مخصوصةَ ليست مما يُبذَلُ للعامَّةِ.

وهذا الكلامُ في بعضِه نظرٌ، وهو كغيرِه من المصنِّفينَ في كلامِه مردودٌ ومقبولٌ، فليس في قولِه: «مغفرةً من عندِكَ»، ولا: {هب لنا من لدنك رحمة} ونحوِ ذلك؛ ما يقتضي اختصاصَ هذا الشخصِ دونَ غيرِه، وإلا لَمَا ساغ لغيرِه أن يدعوَ بهذا الدعاءِ، وهذا خلافُ الإجماعِ، وتفسيرٌ للفْظِ بما لا يدُلُّ عليه، وقد قال زكريا: {هب لي من لدنك ذرية طيبة}، ولم تكن الذريةُ مختصةً به ولا بالأنبياءِ، بل اللهُ يُخْرِجُ الأنبياءَ من الكفارِ إذا شاء، ولكن بمشيئتِه، واللهُ أعلمُ أنه إذا قال: «مِن عندِك» و: «من لدُنْك» كان مطلوبًا بغيرِ فعلِ العبدِ؛ فإن ما يعطيه اللهُ العبدَ على وجهينِ:

منه ما يكونُ بسببِ فعلِه؛ كالرزقِ الذي يرزقُه بكَسْبِه، والسيئاتِ التي يغفِرُها بالحسناتِ الماحيةِ، والولدِ الذي يعطيه بالنكاحِ المعتادِ، والعلمِ الذي ينالُه بالتعلُّمِ.

ومنه ما يعطيه للعبدِ، ولا يُحْوِجُه إلى السببِ الذي ينالُ به في غالبِ الأمورِ؛ كما أعطى زكريا الولدَ معَ أن امرأتَه كانت عاقرًا، وقد بلَغ من الكِبَرِ عِتِيًّا، فهذا وهبه له اللهُ مِن لدُنْه ليس بالأسبابِ المعتادةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>