للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى أعلم.

وإن كان الخلقُ لا يوجِبون عليه شيئًا؛ فهو قد كتَب على نفسِه الرحمةَ، وحرَّم الظُّلمَ على نفسِه، وأوجَب بوعدِه ما يجبُ لمن وعده إيَّاه، فهذا قد يصير واجبًا بحُكمِ إيجابِه ووعدِه؛ بخلافِ ما لم يكُنْ كذلك، فاستعمالُ «من عندِكَ» في هذا؛ هو شبيهٌ باستعماله فيما يُطلبُ من الناسِ من الإحسانِ.

وأيضاً فقوله: «من عندِكَ» يُرادُ به أن تكونَ مغفرةً تجودُ بها أنت، لا تُحْوِجُني فيها إلى خلقِك، ولا يحتاجُ إلى أحدٍ يشفعُ فيَّ أو يستغفرُ لي.

واستعمالُ لفظِ: «من عندِكَ» في مثلِ هذا معروفٌ، كما في حديثِ توبة كعبِ بنِ مالكٍ لمَّا قال له رسولُ اللهِ: «أبْشِرْ بخيرِ يومٍ مرَّ (١) عليكَ منذُ ولَدَتْك أمُّك»، فقلت: يا رسولَ اللهِ، أمِن عندِ اللهِ أو مِن عندك؟ فقال: «بل من عندِ اللهِ» (٢)، فأخبره أنه تاب عليه من عندِه.

وكِلا الوجهين: قول مريمَ: {هو من عند الله}، فلما كان الرزقُ لم يأتِ به بشرٌ، ولم يُسْعَ فيه السعيَ المعتادَ قالت: {هو من عند الله}.

فهذه المعاني وما يناسبُها هي التي يشهدُ لها استعمالُ هذا اللفظِ.

وإن قال قائلٌ: كذلك كلامُ الحكيمِ أرادَ به مثلَ هذا؛ كان محتمِلًا،


(١) في الأصل: يسير. والمثبت من (ك) و (ع)، وهو الموافق لرواية الصحيحين.
(٢) رواه البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>