للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعَل ما يضرُّه؛ حصل له معرفته بأن الذي فعله كان من السيئاتِ، وهذا من بابِ الاعتقاداتِ، وكراهيتُه لِمَا كان فعَلَه؛ وهو من جنسِ الإراداتِ، وحصل له أذًى وغَمٌّ لما كان فعله، وهذا من بابِ الآلامِ كالغمومِ والأحزانِ، كما أن الفرحَ - وهو السرورُ- من بابِ اللذَّاتِ، ليس من بابِ الاعتقاداتِ والإراداتِ.

ومن قال من الفلاسفةِ: إن اللذَّةَ هي إدراكُ الملائمِ، والألمُ: هو إدراكُ المنافي؛ فقد غلِطَ، فإن اللذةَ والألمَ حالانِ يتعقبان إدراكَ الملائمِ والمنافي، فإن المحبَّ لما يلائمُه له ثلاثةُ أحوالٍ:

الحبُّ؛ وهو الشهوة.

والثاني: إدراكُ المحبوبِ، كأكلِ الطعامِ.

والثالثُ: اللذَّةُ الحاصلةُ، واللذةُ أمرٌ مغايرٌ للشهوةِ ولذوقِ المشتهَى، بل هي حاصلةٌ بذوقِ المشتهَى، ليست نفسَ الذوقِ.

وكذلك المكروهُ: كراهتُه شيءٌ وحصوله شيءٌ، والألمُ الحاصلُ به شيءٌ ثالثٌ.

إذا عُرِف ذلك؛ فمن تاب توبةً عامةً؛ كانت مقتضيةً لغُفرانِ الذنوبِ كلِّها وإن لم يستحضِرْ أعيانَ الذنوبِ، إلا أن يكونَ بعضُ الذنوبِ لو استحضره لم يتُبْ منه لقوةِ إرادتِه إيَّاه، أو لاعتقادِه أنه حسنٌ ليس قبيحًا، فما كان لو استحضره لم يتُبْ منه؛ لم يدخُلْ في التوبةِ؛ بخلافِ ما كان لو استحضره تاب منه؛ فإنه يدخلُ في عمومِ التوبةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>