للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحوادثِ، والعلمُ بالسببِ يوجِبُ العلمَ بالمسبَّبِ، وهذا إنما يكونُ إذا عُلِم السببُ التامُّ، وهؤلاء أكثرُ ما يعلمون - إنْ علِموا- جزءًا يسيرًا من جملةِ الأسبابِ الكثيرةِ، ولا يعلمون بقيةَ الأسبابِ ولا الشروطَ ولا الموانعَ؛ مثلُ من يعلمُ أن الشمسَ في الصيفِ تعلو الرأسَ حين يشتدُّ الحرَّ، فيريدُ أن يعلمَ مِن هذا مثلًا: أنه حينئذ أن العنبَ الذي في الأرضِ الفُلانيةِ يصيرُ زَبيبًا؛ بناءً على أن هناك عنبًا، وأنه ينضجُ وينشرُه صاحبُه في الشمسِ وقتَ الحرِّ، فيتزبَّبُ.

وهذا وإن كان يقعُ كثيرًا، لكن أخْذُ هذا من مجردِ حرِّ الشمسِ جهلٌ عظيمٌ؛ إذ قد يكونُ هناك عنبٌ وقد لا يكونُ، وقد يثمرُ ذلك الشجرُ وقد لا، وقد يؤكَلُ عنبًا وقد يُسرقُ، والدلالةُ على فسادِ هذه الصنعةِ وتحريمِها كثيرةٌ جدًّا.

وقد روي: «من أتى عرَّافًا فسأله؛ لم تُقبَل صلاتُه أربعينَ يومًا» (١).

والعرَّافُ: اسمٌ للكاهنِ والمنجِّمِ والرمَّالِ ونحوِهم ممن يتكلمُ في تقدِمةِ المعرفة بهذه الطرقِ.

وأما إنكارُ بعضِ الناسِ أن يكونَ شيءٌ من حركاتِ الكواكبِ وغيرِها من الأسبابِ؛ فهو أيضًا قولٌ بلا علمٍ، بل النصوصُ تدلُّ على خلافِ ذلك، كما في السننِ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى عائشةَ، فقال: «يا عائشةُ تعوَّذي باللهِ من شرِّ هذا- يعني القمرَ-، فهذا الغاسقُ إذا وقَب» (٢)،


(١) رواه مسلم (٢٢٣٠)، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
(٢) رواه أحمد (٢٤٣٢٣)، والترمذي (٣٣٦٦)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>