تصدِّقوهم ولا تكذِّبوهم» (١)، فكيف يجوزُ تصديقُ هؤلاء فيما يزعُمون أنه مأخوذٌ عن إدريسَ؛ مع أنهم أبعدُ عن علمِ الصِّدقِ وأهلِ الكتابِ؟!
وأما علمُ الحسابِ؛ من معرفةِ أقدارِ الأفلاكِ والكواكبِ وصفاتِها ومقاديرِها وكذا؛ في الأصلِ علمٌ صحيحٌ لا ريبَ فيه؛ كمعرفةِ الأرضِ وصفاتِها، لكنْ جمهورُ الدقيقِ منه؛ كثيرُ التعبِ قليلُ الفائدةِ؛ كالعالمِ بمقاديرِ الدقائقِ والثواني والثوالثِ في حركاتِ السبعةِ المتحيِّرةِ؛ الخُنَّسِ الجَوارِي الكُنَّسِ، فهذا يمكنُ أن يكونَ أصلُه مأخوذاً عن إدريسَ، واللهُ أعلمُ بحقيقةِ ذلك، كما يقولُ ناسٌ: إن أصلَ الطبِّ مأخوذٌ عن بعضِ الأنبياءِ.
وأما الأحكامُ التي هي من جنسِ السحرِ؛ فمن الممتنعِ أن يكونَ نبيٌّ من الأنبياءِ كان ساحرًا، ومنها ما هو دعاءٌ للكواكبِ وعبادةٌ لها، وأنواعٌ من الشركِ الذي يعلمُ كلُّ مَن آمن باللهِ ورسلِه بالاضطرار؛ أن نبيًّا من الأنبياءِ لم يأمرْ بشيءٍ من ذلك، وإضافةُ ذلك إلى نبيٍّ من الأنبياءِ؛ كإضافةِ مَن أضاف ذلك إلى سليمانَ لمَّا سخَّر اللهُ له الجنَ، فقال:{وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا}.
وكذلك الاستدلالُ على الحوادثِ بما يستدلون به من الحركاتِ العُلويةِ والاختيارِية؛ كلُّ هذا مما يُعلَمُ قطعًا أن نبيًّا من الأنبياءِ لم يأمرْ قط بهذا؛ إذ فيه من الكذبِ والباطلِ ما يُنَزَّهُ عنه العقلاءُ الذين هم دونَ الأنبياءِ.
(١) رواه البخاري (٧٣٦٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.