للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالتْ: سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن فأرةٍ وقعَتْ بسمنٍ؟ فقال: «ألقوها وما حولَها، وكُلُوه» (١).

فذكَر البخاريُّ عن ابنِ شِهابٍ الزُّهْريِّ - الذي هو أعلمُ الناسِ بالسنةِ في زمانِه - أنَّه أفتى في الزيتِ والسمنِ الجامدِ وغيرِه: إذا ماتَتْ فيه الفأرةُ أنها تُطرَحُ وما قرُبَ منها، واستَدلَّ بالحديثِ الذي رواه عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ، عنِ (٢) ابنِ عباسٍ، وذكر الحديثَ، ولم يقُلْ فيه: «إن كان مائعًا فلا تقربوه»، ولا ذكَر الفرقَ.

فذكَر البخاريُّ ذلك ليُبيِّنَ أنَّ مَن ذكَر عنِ الزُّهْريِّ التفصيلَ فقد غلِطَ عليه؛ لجوابِه بالعمومِ مستدِلًّا بهذا الحديثِ بعينِه؛ إذ إطلاقُ الجوابِ منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتَرْكُ الاستفصالِ في حكايةِ الحالِ معَ قيامِ الاحتمالِ يُنزَّلُ منزلةَ العمومِ في المقالِ، فبذلك أجابَ الزُّهْريُّ، فإن مذهَبَه في الماءِ أنه لا ينجُسُ إلا بالتغيرِ، وقد سوَّى البخاريُّ في أولِ الصحيحِ بينَ الماءِ والمائعِ، وقد ذكَرْنا أدلةَ هذه المسألةِ مستوفاةً.

وفي تنجيسِ ذلك من فسادِ الأطعمةِ العظيمةِ وإتلافِ الأموالِ العظيمةِ ما لا تأتي الشريعةُ بمِثْلِه، واللهُ إنما حرَّمَ علينا الخبائثَ تَنْزيهًا لنا عن المَضارِّ، وأحلَّ لنا الطيباتِ كلَّها، واللهُ أعلمُ (٣).


(١) صحيح البخاري (٧/ ٩٧).
(٢) سقطت من الأصل، والمثبت من (ع).
(٣) ينظر أصل الفتوى من قوله: (ومذهب الزهري … ) إلى هنا في: مجموع الفتاوى (٢١/ ٥٢٤)، والفتاوى الكبرى (١/ ٤٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>