للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجَبَ طاعتُه وإن كان ظالمًا، وإذا حكَم حكمًا عدلًا، وقسَم قسمًا عدلًا؛ كان من العدلِ الذي يجبُ طاعتُه، والظالِمُ لو قسَم ميراثًا بينَ مستَحِقِّيه بكتابِ اللهِ؛ كان عدلًا بإجماعِ المسلمِينَ، ولو قسم مغنمًا بينَ الغانِمِينَ بالحقِّ؛ كان عدلًا بالإجماعِ، ولو حكَم لمدعٍّ ببينةٍ عادلةٍ لا تُعارَض؛ كان عدلاً، تجبُ طاعتُه فيه.

وأما إن كانت القسمةُ غيرَ عادلةٍ؛ مثلُ: أن يُعطِيَ بعضَ الناسِ فوقَ ما يستحِقُّ، أو ينقُصَ بعضَهم؛ فهذا من الأَثَرةِ التي ذكَرَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ حيثُ قال: «على المسلمِ السمعُ والطاعةُ في عُسْرِه ويُسْرِه، ومَنْشَطِه ومَكْرَهِه، وأَثَرةٍ عليه؛ ما لم يُؤمَرْ بمعصيةٍ» (١)، ومعلومٌ أن هذا ما زال في وُلاةِ الأمرِ، وإنما يُستثنَى الخلفاءُ الراشدونَ ومَن اتَّبَعَهم.

وليس لقائلٍ أن يقولَ: آخُذُه بمجرَّدِ الاستيلاءِ، كما لو لم يكُنْ حاكمٌ ولا قاسمٌ، فإنه على نفوذِ هذه المقالةِ تبطُلُ الأحكامُ والأعطيةُ التي فعَلَها ولاةُ الأمورِ جميعُهم غيرَ الخلفاءِ، وحينئذٍ تسقُطُ طاعةُ ولاةِ الأمورِ، إذ لا فرقَ بينَ حُكمٍ وقَسْمٍ وبينَ عدمِه، وفي ذلك من الفسادِ في العقلِ والدينِ ما لا يخفى، فإنه لو فُتِح ذلك أَفْضى الفسادُ إلى ما هو أعظمُ من ظلمِ الظالمِ، ثم كان كلُّ واحدٍ يظُنُّ أن ما يأخُذُه حقُّه، وليس للإنسانِ أن يكونَ حاكمًا لنفْسِه، ولا شاهدًا لها، فكيفَ يكونُ قاسمًا لها؟! ولو كان على ما يظنُّه الجاهلُ لكان وجودُ السلطانِ كعدمِه، وهذا لا يقولُه عاقلٌ؛ بل قال العقلاءُ: (ستُّونَ سنةً من سلطانٍ ظالِمٍ؛ خيرٌ من


(١) رواه مسلم (١٨٣٩) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>