للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك احتجَّ أكثرُ العلماءِ على أنه لا يحرُمُ، وإنما يُكرَهُ للخبرِ تَنْزيهًا؛ لأنه لا يأمرُ بإطعامِ الحرامِ للرقيقِ.

وقيلَ: بل يحرُمُ؛ لما روى مسلمٌ أنه قال: «كَسْبُ الحجَّامِ خبيثٌ» (١)، و «نهى عن ثمنِ الدمِ» (٢).

قال الأولونَ: قد قال: «مَن أكَلَ من هذينِ الشجرتينِ الخبيثتينِ؛ فلا يقرَبَنَّ مسجِدَنا» (٣)، فسمَّاهما خبيثتينِ لخُبْثِ رِيحِهما، وليستا حرامًا، وقال: «لا يُصلِّيَنَّ أحدُكم وهو يُدافِعُ الأخْبَثينِ» (٤)، فتكونُ تسميتُه خبيثًا لملاقاةِ صاحبِه النجاسةَ، لا لتحريمِه، بدليلِ أنه أَعطَى الحجَّامَ أجرَه، وأذِنَ أن يُطعِمَه الرقيقَ والبهائمَ، ومهرُ البَغِيِّ لا يُطعِمُه رقيقًا.

وبكلِّ حالٍ؛ فحالُ المحتاجِ إليهِ ليس كحالِ المستغني عنه، كما قال بعضُ السَّلَفِ: (كَسْبٌ فيه بعضُ الدناءةِ خيرٌ من مسألةِ الناسِ).

ولهذا تنازَعَ الناسُ في أخذِ الأجرةِ على تعليمِ القرآنِ ونحوِه؛ على ثلاثةِ أقوالٍ؛ لأحمدَ وغيرِه، أعدلُها: أنه يُباحُ للمحتاجِ؛ قال أحمدُ: (أجرةُ التعليمِ خيرٌ من جوائزِ السلطانِ، وجوائزُ السلطانِ خيرٌ من صلةِ الإخوانِ).


(١) رواه مسلم (١٥٦٨) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٢٠٨٦) من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه.
(٣) رواه أحمد (١٦٢٤٧)، وأبو داود (٣٨٢٧) من حديث قرة المزني، وأصله في البخاري (٨٥٤)، ومسلم (٥٦٤)، من حديث جابر رضي الله عنه دون قوله: (الخبيثتين).
(٤) رواه مسلم (٥٦٠) من حديث أنس رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>